لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ أَيْ لَكِنْ مَنْ ظَلَمَهُ ظَالِمٌ فَجَهَرَ بِالشَّكْوَى مِنْ ظُلْمِهِ شَارِحًا ظُلَامَتَهُ لِلْحُكَّامِ أَوْ غَيْرِ الْحُكَّامِ مِمَّنْ تُرْجَى نَجْدَتُهُ وَمُسَاعَدَتُهُ عَلَى إِزَالَةِ الظُّلْمِ - فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْجَهْرِ، وَلَا يَكُونُ خَارِجًا عَمَّا يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى ; لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ لِعِبَادِهِ أَنْ يَسْكُتُوا عَلَى الظُّلْمِ وَيَخْضَعُوا لِلضَّيْمِ بَلْ يُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَعِزَّاءَ أُبَاةً، فَإِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَةُ الْجَهْرِ بِالشَّكْوَى مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِ السُّوءِ، وَمَفْسَدَةُ السُّكُوتِ عَلَى الظُّلْمِ وَهُوَ مَدْعَاةُ فُشُوِّهِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ الْمُؤَدِّي إِلَى هَلَاكِ الْأُمَمِ وَخَرَابِ الْعُمْرَانِ، كَانَ
أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ مُقَاوَمَةَ الظُّلْمِ بِالْجَهْرِ بِالشَّكْوَى مِنْهُ وَبِكُلِّ الْوَسَائِلِ الْمُمْكِنَةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى : لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا جَهْرَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الظُّلْمُ لِلدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْجَهْرَ بِمَعْنَى الْمُجَاهِرِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ ; أَيْ لَا يُحِبُّ اللهُ الْمُجَاهِرِينَ بِالسُّوءِ إِلَّا الْمَظْلُومِينَ مِنْهُمْ إِذَا هَبُّوا لِمُقَاوَمَةِ الظُّلْمِ، وَلَوْ بِالْقَوْلِ وَحْدَهُ إِذَا تَعَذَّرَ الْفِعْلُ.