اعلم أنهم لما نسبوا مريم إلى الزنا لإنكارهم قدرة الله تعالى على خلق الولد من دون الأب ومنكر قدرة الله على ذلك كافر لأنه يلزمه أن يقول : كل ولد ولد فهو مسبوق بوالد لا إلى أول، وذلك يوجب القول بقدم العالم والدهر، والقدح في وجود الصانع المختار، فالقوم لا شك أنهم أولاً : أنكروا قدرة الله تعالى على خلق الولد من دون الأب، وثانياً : نسبوا مريم إلى الزنا، فالمراد بقوله ﴿وَبِكُفْرِهِمْ﴾ هو إنكارهم قدرة الله تعالى، وبقوله ﴿وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بهتانا عَظِيماً﴾ نسبتهم إياها إلى الزنا، ولما حصل التغير لا جرم حسن العطف، وإنما صار هذا الطعن بهتاناً عظيماً لأنه ظهر عند ولادة عيسى عليه السلام من الكرامات والمعجزات ما دلّ على براءتها من كل عيب، نحو قوله ﴿وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تساقط عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً﴾ [ مريم : ٢٥ ] ونحو كلام عيسى عليه السلام حال كونه طفلاً منفصلاً عن أمه، فإن كل ذلك دلائل قاطعة على براءة مريم عليها السلام من كل ريبة، فلا جرم وصف الله تعالى طعن اليهود فيها بأنه بهتان عظيم، وكذلك وصف طعن المنافقين في عائشة بأنه بهتان عظيم حيث قال :﴿سبحانك هذا بهتان عَظِيمٌ﴾ [ النور : ١٦ ] وذلك يدل على أن الروافض الذين يطعنون في عائشة بمنزلة اليهود الذين يطعنون في مريم عليها السلام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧٩﴾
قوله تعالى ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله ﴾
فصل
قال الفخر :
قوله تعالى :﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله ﴾.
هذا يدل على كفر عظيم منهم لأنهم قالوا فعلنا ذلك، وهذا يدل على أنهم كانوا راغبين في قتله مجتهدين في ذلك، فلا شك أن هذا القدر كفر عظيم.