فإن قلت علم الله وقوع هذه الذنوب منهم قبل وقوعها لحرم عليهم ما حرم من الطيبات التي كانت لهم حلالاً عقوبة لهم على ما سيقع منهم قلت جوابه ما تقدم وهو أن الله تعالى لا يعاقب على ذنب قبل وقوعه ولهذا لم يذكر الإمام فخر الدين في تفسير هذه الآية ما ذكره المفسرون بل ذكر تفسيراً إجمالياً فقال أعلم أن أنواع الذنوب محصورة في نوعين : الظلم للخلق والأعراض عن الدين الحق، وأما ظلم الخلق فإليه الإشارة بقوله ﴿ وبصدهم عن سبيل الله كثيراً ﴾. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ١ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ ﴾ أي تابوا من عبادة العجل، والتعبير عنهم بهذا العنوان إيذان بكمال عظم ظلمهم بتذكير وقوعه بعد تلك التوبة الهائلة إثر بيان عظمه بالتنوين التفخيمي أي بسبب ظلم عظيم خارج عن حدود ( الأشباه والأشكال ) صادر عنهم ﴿ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ ولمن قبلهم لا لشيء غيره كما زعموا، فإنهم كانوا كلما ارتكبوا معصية من المعاصي التي اقترفوها يحرم عليهم نوع من الطيبات التي كانت محللة لهم ولمن تقدمهم من أسلافهم عقوبة لهم، ومع ذلك كانوا يفترون على الله تعالى الكذب ويقولون : لسنا بأول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعدهما عليهم الصلاة والسلام حتى انتهى الأمر إلينا فكذبهم الله تعالى في مواقع كثيرة وبكتهم بقوله سبحانه :﴿ كُلُّ الطعام كَانَ حِلاًّ لّبَنِى إسرائيل ﴾ [ آل عمران : ٩٣ ] الآية، وقد تقدم الكلام فيها، وذهب بعض المفسرين أن المحرم عليهم ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الأنعام ( ١٤٦ ) مفصلاً.


الصفحة التالية
Icon