وروي عن ابن عباس أيضاً ومحمد بن الحنفية ومجاهد وعكرمة ومحمد بن سيرين والضحاك وجُوَيْبِر ؛ أن المعنى : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت ذلك الكتابيّ عند الغرغرة، حين لا ينفعه الإيمان، ذهاباً إلى أنه إذا عاين عَلِمَ الحق من الباطل، لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه.
قال عِكْرِمَة : قال ابن عباس : لا يموت اليهوديّ حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، ولو عجل بالسلاح.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما فائدة الإخبار بإيمانهم بعيسى قبل موتهم ؟ قلت : فائدته الوعيد، وليكون علمهم بأنهم لا بد لهم من الإيمان به عن قريب عند المعاينة، وأن ذلك لا ينفعهم - بعثاً لهم وتنبيهاً على معاجلة الإيمان به في أوان الانتفاع به، وليكون إلزاماً للحجة لهم انتهى.
قال الأصبهانيُّ : ويدل على صحة هذا التأويل قراءة أُبَيّ بْن كَعْب - رَضِي اللّهُ عَنْهُ - :( إلا ليؤَمُننَّ به قبل موتهم ) بضم النون وإلحاق ميم الجمع.
والأسانيد إلى ابن عباس في هذا التأويل كلها [ في المطبوع : كلهم ] صحيحة، كما قاله ابن كثير.
وثمة وجه آخر، وهو أن الضمير الأول : للنبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، والثاني : للكتابيّ. رواه ابن جرير : عن عِكْرِمَة قال : لَا يَمُوت النَّصْرَانِيّ وَلَا الْيَهُودِيّ حَتَّى يُؤْمِن بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتلا الآية.
قال ابن جرير : وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب، بعد نزول عيسى عليه السلام، إلا آمن به قبل موته أي : قبل موت عيسى عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon