قال ابن كثير : ولا شك أن الذي قاله ابن جرير هو الصحيح، لأنه المقصود من سياق الْآي، في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سَلَّمَ لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله تعالى أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شُبِّهَ لهم فقتلوا الشَّبَه، وهم لا يَتَبَيَّنُونَ ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باق حيٌّ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة، فيقتل مَسِيح [ في المطبوع : مسح ] الضَّلَالَة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ( يعني لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف ).
فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ، ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم.
ثم قال : فأما من فسر هذه الآية بأن المعنى : أن كل كتابيّ لا يموت حتى يؤمن بعيسى أو بمحمد عليهما السلام - فهذا هو الواقع، وذلك أن كل أحد عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهلاً به فيؤمن به، ولكن لا يكون ذلك إيماناً نافعاً له، إذا كان قد شاهد الملك، كما قال تعالى : في أول هذه السورة :﴿ وَلَيْسَتِ التّوْبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ حَتّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموْتُ قَالَ إِنّي تُبْتُ الآنَ ﴾ [ النساء : ١٨ ]، وقال تعالى :﴿ فَلما رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ ﴾ الآية.
﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ ﴾ أي : عيسى عليه السلام :﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ أي : على أهل الكتاب :﴿ شَهِيداً ﴾ أي : بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء، وبعد نزوله إلى الأرض.
قال قَتادة : يشهد عليهم أنه قد بلَّغهم الرسالة من الله، وأقرّ بعبوديته لله عز وجل، وهكذا كقوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ ﴾ إلى قوله :﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ]. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٥ صـ ٤٤٢ ـ ٤٤٥﴾


الصفحة التالية
Icon