وحاصل ذلك إن لم تلزمهم الحجة ويشهدوا لك فالله تعالى يشهد، وقيل : إنه سبحانه لما شبه الإيحاء إليه ﷺ بالإيحاء إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أوهم ذلك التشبيه مزية الإيحاء إليهم، فاستدرك عنه بأن للإيحاء إليك مزية شهادة الله تعالى ﴿ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ﴾ أي بحقية الذي أنزله إليك وهو القرآن، فالجار والمجرور متعلق بيشهد والباء صلة والمشهود به هو الحقية، ويجوز أن يكون المشهود به هو النبوة وتعلق بما أنزل تعلق الآلية أي يشهد بنبوتك بسبب ما أنزل إليك لدلالته بإعجازه على صدقك ونبوتك، ولعل مآل المعنى ومؤداه واحد فإن شهادته سبحانه بحقية ما أنزله من القرآن بإظهار المعجز المقصود منه إثبات نبوته ﷺ، وأخرج البيهقي في "الدلائل" وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال :" دخل جماعة من اليهود على رسول الله ﷺ فقال عليه الصلاة والسلام لهم : إني والله أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله فقالوا : ما نعلم ذلك فنزلت :﴿ لكن الله يَشْهَدُ ﴾ " وفي رواية ابن جرير عنه "أنه لما نزل ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ [ النساء : ١٦٣ ] قالوا : ما نشهد لك فنزل ﴿ لكن الله يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ﴾، وقرىء ﴿ أَنَزلَ ﴾ على البناء للمفعول. أ هـ ﴿ روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
هذا استدراك على معنًى أثارهُ الكلام : لأنّ ما تقدّم من قوله :﴿ يسألك أهل الكتاب ﴾ [ النساء : ١٥٣ ] مسوق مساق بيان تعنّتهم ومكابرتهم عن أن يشهدوا بصدق الرسول ﷺ وصحّة نسبة القرآن إلى الله تعالى، فكان هذا المعنى يستلزم أنَّهم يأبون من الشهادة بصدق الرسول، وأنّ ذلك يحزن الرسول ﷺ فجاء الاستدراك بقوله :﴿ لكن الله يشهد ﴾.
فإنّ الاستدراك تعقيب الكلام برفع ما يُتوهَّم ثبوتُه أو نفيُه.