والمعنى : لم يشهد أهلُ الكتاب لكن الله شهد وشهادة الله خير من شهادتهم.
وقد مضى عند قوله تعالى :﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ﴾ في سورة البقرة ( ٢٨٢ )، أنّ حقيقة الشهادة إخبار لتصديق مخبر، وتكذيب مخبر آخر.
وتقدّم أنّها تطلق على الخبر المحقّق الذي لا يتطرّقه الشكّ عند قوله تعالى :﴿ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو ﴾ في سورة آل عمران ( ١٨ ).
فالشهادة في قوله : لكن الله يشهد } أطلقت على الإخبار بنزول القرآن من الله إطلاقاً مجازياً، لأنّ هذا الخبر تضمّن تصديق الرسول وتكذيب معانديه، وهو إطلاق على وجه الاستعارة من الإطلاق الحقيقي هو غير الإطلاق الذي في قوله :﴿ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو ﴾ [ آل عمران : ١٨ ] فإنّه على طريقة المجاز المرسل.
وعطف شهادة الملائكة على شهادة الله : لزيادة تقرير هذه الشهادة بتعدّد الشهود، ولأنّ شهادة الله مجاز في العلم وشهادة الملائكة حقيقة.
وإظهار فعل ﴿ يشهدون ﴾ مع وجود حرف العطف للتّأكيد.
وحَرف ( لكنْ ) بسكون النون مخفّف لكنَّ المشدّدة النون التي هي من أخوات ( إنّ ) وإذا خفّفت بطل عملها.
وقَوله :﴿ وكفى بالله شهيداً ﴾ يَجري على الاحتمالين.
وقوله :﴿ بما أنزل إليك أنزله بعلمه ﴾ وقع تحويل في تركيب الجملة لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل، ليكون أوقع في النفس.
وأصل الكلام : يشهد بإنزال ما أنزله إليك بعلمه ؛ لأنّ قوله :﴿ بما أنزل إليك ﴾ لم يُفد المشهود به إلاّ ضمناً مع المشهود فيه إذ جيء باسم الموصول ليوصل بصلة فيها إيماء إلى المقصود، ومع ذلك لم يذكر المقصود من الشهادة الذي هو حقّ مدخوللِ الباء بعد مادّة شهد، فتكون جملة ﴿ أنزله بعلمه ﴾ مكمّلة معنى الشهادة.
وهذا قريب من التحويل الذي يستعمله العرب في تمييز النسبة.