إن الإسلام دين العقل.. نعم.. بمعنى أنه يخاطب العقل بقضاياه ومقرراته ؛ ولا يقهره بخارقة مادية لا مجال له فيها إلا الإذعان. ويخاطب العقل بمعنى أنه يصحح له منهج النظر ويدعوه إلى تدبر دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق ؛ ليرفع عن الفطرة ركام الإلف والعادة والبلادة ؛ وركام الشهوات المضلة للعقل والفطرة. ويخاطب العقل بمعنى أنه يكل إليه فهم مدلولات النصوص التي تحمل مقرراته، ولا يفرض عليه أن يؤمن بما لا يفهم مدلوله ولا يدركه.. فإذا وصل إلى مرحلة إدراك المدلولات وفهم المقررات لم يعد أمامه إلا التسليم بها فهو مؤمن، أو عدم التسليم بها فهو كافر.. وليس هو حكماً في صحتها أو بطلانها. وليس هو مأذوناً في قبولها أو رفضها، كما يقول من يبتغون أن يجعلوا من هذا العقل إلهاً، يقبل من المقررات الدينية الصحيحة ما يقبل، ويرفض منها ما يرفض، ويختار منها ما يشاء، ويترك منها ما يشاء.
. فهذا هو الذي يقول الله عنه :﴿ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ ﴾ ويرتب عليه صفة الكفر، ويرتب عليه كذلك العقاب..
فإذا قرر الله - سبحانه - حقيقة في أمر الكون، أو أمر الإنسان، أو أمر الخلائق الأخرى. أو إذا قرر أمراً في الفرائض، أو في النواهي.. فهذا الذي قرره الله واجب القبول والطاعة ممن يبلغ إليه. متى أدرك المدلول المراد منه..