ثم قال ﴿وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً﴾ والمراد أنه بعث كل هؤلاء الأنبياء والرسل وخص موسى عليه السلام بالتكلم معه، ولم يلزم من تخصيص موسى عليه السلام بهذا التشريف الطعن في نبوّة سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكذلك لم يلزم من تخصيص موسى بإنزال التوراة عليه دفعة واحدة طعن فيمن أنزل الله عليه الكتاب لا على هذا الوجه، وعن إبراهيم ويحيى بن وثاب أنهما قرأ ﴿وَكَلَّمَ الله﴾ بالنصب، وقال بعضهم : وكلم الله معناه وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن وهذا تفسير باطل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٨٨﴾
فائدة
قال السمرقندى :
﴿ وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً ﴾ قال بعضهم : معناه أنه قد أوحى إليه، وإنما سماه كلاماً على وجه المجاز كما قال في آية أخرى ﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ [ الروم : ٣٥ ] أي يستدلون بذلك، والعرب تقول : قال الحائط كذا.
وقال عامة المفسرين وأهل العلم : إن هذا كلام حقيقة لا كلام مجاز، لأنه قد أكده بالمصدر حيث قال :﴿ وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً ﴾ والمجاز لا يؤكد لأنه لا يقال : قال الحائط قولاً، فلما أكده بالمصدر نفى عنه المجاز، وقال في موضع آخر :﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ النحل : ٤٠ ] وقد أكده بالتكرار ونفى عنه المجاز.
وقال في موضع آخر ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ ﴾ [ الشورى : ٥١ ] يعني الأنبياء الذين لم يكونوا مرسلين، فأراهم في المنام أو من وراء حجاب بكلام مثل ما كلم الله موسى، أو يرسل رسولاً وهو رسالة جبريل إلى المسلمين. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ﴾