وعجب عجيجاً من جذام المطارف... وكلام الله للنبي موسى عليه السلام دون تكييف ولا تحديد ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات، والذي عليه الراسخون في العلم : أن الكلام هو المعنى القائم في النفس، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكاً من جهة السمع يتحصل به الكلام، وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجودات، معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا كالكلام، وما روي عن كعب الأحبار عن محمد بن كعب القرظي ونحوهما : من أن الذي سمع موسى كان كأشد ما يسمع من الصواعق، وفي رواية أخرى كالرعد الساكن فذلك كله غير مرضي عند الأصوليين، وقرأ جمهور الأمة " وكلم اللهُ موسى " بالرفع في اسم الله، وقرأ يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي " وكلم الله " بالنصب على أن موسى هو المكلم، وهي قراءة ضعيفة من جهة الاشتهار، لكنها مخرجة من عدة تأويلات. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ﴾ يعني بمكة.
﴿ وَرُسُلاً ﴾ منصوب بإضمار فعل، أي وأرسلنا رسلا ؛ لأن معنى "وَأَوْحَيْنَا إلَى نُوحٍ" وأرسلنا نوحاً.
وقيل : هو منصوب بفعل دَلّ عليه "قَصَصْنَاهُمْ" أي وقصصنا رسلا ؛ ومثله ما أنشد سيبويه :
أصبحتُ لا أحملُ السِّلاحَ ولا...
أَمْلكُ رأسَ البعيرِ إنْ نَفَرا
والذِّئبَ أخشاه إن مررتُ بِه...
وَحْدي وأخشى الرّيَاحَ والمطرا
أي وأخشى الذئب.
وفي حرف أُبيّ "وَرُسُلٌ" بالرفع على تقدير ومنهم رسل.
ثم قيل : إن الله تعالى لما قصّ في كتابه بعض أسماء أنبيائه، ولم يذكر أسماء بعض، ولمن ذكر فضل على من لم يذكر قالت اليهود ؛ ذكر محمد الأنبياء ولم يذكر موسى ؛ فنزلت ﴿ وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً ﴾ "تكليماً" مصدر معناه التأكيد ؛ يدل على بطلان من يقول : خلق لنفسه كلاما في شجرة فسمعه موسى، بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون به المتكلم متكلماً.


الصفحة التالية
Icon