والثاني : أنه خطاب لليهود والنصارى، لأن الفريقين غلوا في المسيح، فقالت النصارى : هو الرب، وقالت اليهود : هو لغير رشدة، وهذا قول الحسن.
والغلو : مجاوزة الحد، ومنه غلاء السعر، إذا جاوز الحد في الزيادة، وغلا في الدين، إذا فرط في مجاوزة الحق.
﴿ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ ﴾ يعني في غلوهم في المسيح.
﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ ﴾ رداً على مَنْ جعله إلهاً، أو لغير رشدة [ أو ] ساحراً.
﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَآ إِلَى مَرْيَمَ ﴾ في كلمته ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأن الله كَلَّمَه حين قال له كن، وهذا قول الحسن، وقتادة.
الثاني : لأنه بشارة الله التي بشر بها، فصار بذلك كلمة الله.
والثالث : لأنه يهتدى به كما يُهْتَدَى بكلام الله.
﴿ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : سُمِّي بذلك لأنه رُوح من الأرواح، وأضافه الله إلى نفسه تشريفاً له.
والثاني : أنه سُمِّي روحاً ؛ لأنه يحيا به الناس كما يُحْيَون بالأرواح.
والثالث : أنه سُمِّي بذلك لنفخ جبريل عليه السلام، لأنه كان ينفخ فيه الروح بإذن الله، والنفخ يُسَمَّى في اللغة روحاً، فكان عن النفخ فسمي به. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ١ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ يا أهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ﴾ نهي عن الغلوّ.
والغلوّ التجاوز في الحدّ ؛ ومنه غلا السعر يغلو غلاء ؛ وغلا الرجل في الأمر غلوّا، وغلا بالجارية لحمُها وعظمُها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لِداتِها ؛ ويعنى بذلك فيما ذكره المفسرون غلوّ اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلوّ النصارى فيه حتى جعلوه رَبّاً ؛ فالإفراط والتقصير كله سيئةٌ وكفرٌ ؛ ولذلك قال مطرِّف بن عبد الله : الحسنة بين سيِّئتين ؛ وقال الشاعر :
وأوِف ولا تسوِف حقَّك كلَّه...
وصافح فلم يستوفِ قَطُّ كريمُ
ولا تَغْلُ في شيءٍ من الأمر واقتصد...