كِلاَ طرَفيْ قصْدِ الأُمورِ ذَمِيمُ
وقال آخر :
عليك بأوساطِ الأُمور فإنها...
نَجاةٌ ولا تركَبْ ذَلولاً ولا صَعْبَا
وفي صحيح البخاريّ عنه عليه السلام :" لا تُطروني كما أطْرَتِ النصارى عيسى وقولوا عبدُ الله ورسولُه ".
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق ﴾ أي لا تقولوا إن له شريكاً أو ابنا.
ثم بيّن تعالى حال عيسى عليه السلام وصفته فقال :" إنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ رُسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ".
وفيه ثلاث مسائل :
الأُولى قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا المسيح ﴾ المسيح رفع بالابتداء ؛ و"عِيسى" بدل منه وكذا "ابن مَرْيَمَ".
ويجوز أن يكون خبر الابتداء ويكون المعنى : إنما المسيحُ ابن مريم.
ودَلّ بقوله :"عِيسى ابن مريم" على أن من كان منسوباً بوالدته كيف يكون إلهاً، وحق الإله أن يكون قديماً لا مُحدَثا.
ويكون "رسُولُ اللَّهِ" خبراً بعد خبر.
الثانية لم يذكر الله عز وجل امرأة وسمّاها باسمها في كتابه إلا مريم ابنة عمران ؛ فإنه ذكر اسمها في نحوٍ من ثلاثين موضعاً لحكمة ذكرها بعض الأشياخ ؛ فإن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في الملإ، ولا يبتذلون أسماءهنّ ؛ بل يكنون عن الزوجة بالعِرس والأهل والعِيال ونحو ذلك ؛ فإن ذكروا الإماء لم يكنوا عنهنّ ولم يصونوا أسماءهنّ عن الذكر والتصريح بها ؛ فلما قالت النصارى في مريم ما قالت، وفي ابنها صرح الله باسمها، ولم يكن عنها بالأُمُوّة والعبودية التي هي صفة لها ؛ وأجرى الكلام على عادة العرب في ذكر إمائها.
الثالثة اعتقاد أن عيسى عليه السلام لا أب له واجب، فإذا تكرر اسمه منسوباً للأُم استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفي الأب عنه، وتنزيه الأُم الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم الله.
والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon