والنصارى مع فِرقهم مجمعون على التثليث ويقولون : إن الله جوهر واحد وله ثلاثة أقانيمَ ؛ فيجعلون كل أُقنُوم إلهاً ويعنون بالأقانيم الوجود والحياة والعلم، وربما يعبّرون عن الأقانيم بالأب والابن ورُوح القُدُس ؛ فيعنون بالأب الوجود، وبالروح الحياة، وبالابن المسيح، في كلام لهم فيه تخبط بيانه في أُصول الدين.
ومحصول كلامهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله بما كان يجريه الله سبحانه وتعالى على يديه من خوارق العادات على حسب دواعيه وإرادته ؛ وقالوا : قد علمنا خروج هذه الأُمور عن مقدور البشر، فينبغي أن يكون المقتَدر عليها موصوفاً بالإلهية ؛ فيقال لهم : لو كان ذلك من مقدوراته وكان مستقلاً به كان تخليص نفسه من أعدائه ودفع شرهم عنه من مقدوراته، وليس كذلك ؛ فإن اعترفت النصارى بذلك فقد سقط قولهم ودعواهم أنه كان يفعلها مستقلاً به ؛ وإن لم يسلموا ذلك فلا حجة لهم أيضاً ؛ لأنهم معارضون بموسى عليه السلام، وما كان يجري على يديه من الأُمور العظام، مثل قلبِ العصا ثعباناً، وفلْقِ البحر واليدِ البَيْضاء والمنّ والسلوى، وغير ذلك ؛ وكذلك ما جرى على يد الأنبياء ؛ فإن أنكروا ذلك فننكر ما يدّعونه هم أيضاً من ظهوره على يد عيسى عليه السلام، فلا يمكنهم إثبات شيء من ذلك لعيسى ؛ فإن طريق إثباته عندنا نصوص القرآن وهم ينكرون القرآن، ويكذبون من أتى به، فلا يمكنهم إثبات ذلك بأخبار التواتر.


الصفحة التالية
Icon