وقد قيل : إن النصارى كانوا على دين الإسلام إحدى وثمانين سنة بعد ما رُفع عيسى ؛ يصلون إلى القِبلة ؛ ويصومون شهر رمضان، حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولس، قتل جماعة من أصحاب عيسى فقال : إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا وجحدنا وإلى النار مصيرنا، ونحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار ؛ وإني أحتال فيهم فأضلهم فيدخلون النار ؛ وكان له فرس يقال لها العقاب، فأظهر الندامة ووضع على رأسه التراب وقال للنصارى : أنا بولس عدوّكم قد نوديت من السماء أن ليست لك توبة إلا أن تتنصر، فأدخلوه في الكنيسة بيتاً فأقام فيه سنة لا يخرج ليلاً ولا نهاراً حتى تعلم الإنجيل ؛ فخرج وقال : نوديت من السماء أن الله قد قبِل توبتك فصدّقوه وأحبّوه، ثم مضى إلى بيت المقدس واستخلف عليهم نُسْطُورَا وأعلمه أن عيسى ابن مريم إله، ثم توجه إلى الرّوم وعلمهم اللاهوت والناسوت وقال : لم يكن عيسى بإنس فتأنّس ولا بجسم فتجسّم ولكنه ابن الله.
وعلم رجلاً يقال له يعقوب ذلك ؛ ثم دعا رجلاً يقال له الملك فقال له ؛ إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى ؛ فلما استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحداً واحداً وقال له : أنت خالِصتي ولقد رأيت المسيح في النوم ورضي عني، وقال لكل واحد منهم : إني غداً أذبح نفسي وأتقرّب بها، فادع الناس إلى نِحلتك، ثم دخل المذبح فذبح نفسه ؛ فلما كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم الناس إلى نِحلته، فتبع كل واحد منهم طائفة، فاقتتلوا واختلفوا إلى يومنا هذا، فجميع النصارى من الفرق الثلاث ؛ فهذا كان سبب شركهم فيما يقال ؛ والله أعلم.
وقد رويت هذه القصة في معنى قوله تعالى.
﴿ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضآء إلى يَوْمِ القيامة ﴾ [ المائدة : ١٤ ] وسيأتي إن شاء الله تعالى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾