والمعنى : في دينكم الذي أنتم مطلوبون به، وليست الإشارة إلى دينهم المضلل، ولا أمروا بالثبوت عليه دون غلو، وإنما أمروا بترك الغلو في دين الله على الإطلاق.
وغلت اليهود في حط المسيح عليه السلام عن منزلته حيث جعلته مولوداً لغير رشده.
وغلت النصارى فيه حيث جعلوه إلها.
والذي يظهر أنّ قوله : يا أهل الكتاب خطاب للنصارى، بدليل آخر الآية.
ولما أجاب الله تعالى عن شبه اليهود الذين يبالغون في الطعن على المسيح أخذ في أمر النصارى الذين يفرطون في تعظيم المسيح حتى ادعوا فيه ما ادعوا.
﴿ ولا تقولوا على الله إلا الحق ﴾ وهو تنزيهه عن الشريك والولد والحلول والاتحاد.
﴿ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ﴾ قرأ جعفر بن محمد : إنما المسيح على وزن السكيت.
وتقدم شرح الكلمة في ﴿ بكلمة منه اسمه المسيح ﴾ ومعناها ألقاها إلى مريم أوجد هذا الحادث في مريم وحصله فيها.
وهذه الجملة قيل : حال.
وقيل : صفة على تقدير نية الانفصال أي : وكلمة منه.
ومعنى روح منه أي : صادرة، لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح، كالنطفة المنفصلة من الأب الحي، وإنما اخترع اختراعاً من عند الله وقدرته.
وقال أُبيّ بن كعب : عيسى روح من أرواح الله تعالى الذي خلقها واستنطقها بقوله :﴿ ألست بربكم قالوا بلى ﴾ بعثه الله إلى مريم فدخل.
وقال الطبري وأبو روق : وروح منه أي نفخة منه، إذا هي من جبريل بأمره.
وأنشد بيت ذي الرمة :
فقلت له اضممها إليك وأحيها...
بروحك واجعله لها قيتة قدرا
يصف سقط النار وسمي روحاً لأنه حدث عن نفخة جبريل.
وقيل : ومعنى وروح منه أي رحمة.
ومنه ﴿ وأيدهم بروح منه ﴾.
وقيل : سمي روحاً لأحياء الناس به كما يحيون بالأرواح، ولهذا سمي القرآن روحاً.


الصفحة التالية
Icon