وإنْ سلمنا أنّ المعطوف في الآية أرفع من المعطوف عليه، فيكون ذلك بحسب ما ألقي في أذهان العرب وغيرهم من تعظيم الملك وترفيعه، حتى أنهم ينفون البشرية عن الممدوح ويثبتون له الملكية، ولا يدل تحيلهم ذلك على أنه في نفس الأمر أفضل وأعظم ثواباً ومما ورد من ذلك على حسب ما ألقي في الأذهان قوله تعالى حكاية عن النسوة التي فاجأهنّ حسن يوسف :﴿ فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهنّ وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم ﴾ وقال الشاعر :
فلست بإنسي ولكن لملأك...
تنزل من جوف السماء يصوب
وقال الزمخشري :( فإن قلت ) : علام عطف ولا الملائكة المقربون؟ ( قلت ) : إما أن يعطف على المسيح، أو على اسم يكون، أو على المستتر في عبداً لما فيه من معنى الوصف، لدلالته على معنى العبادة، وقولك : مررت برجل عبد أبوه، فالعطف على المسيح هو الظاهر لأداء غيره إلى ما فيه بعض انحراف عن الغرض، وهو أن المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية، أو أن يعبد الله هو ومن فوقه انتهى.
والانحراف عن الغرض الذي أشار إليه هو كون الاستنكاف يكون مختصاً بالمسيح، والمعنى القائم اشتراك الملائكة مع المسيح في انتفاء الاستنكاف عن العبودية، لأنه لا يلزم من استنكافه وحده أن يكون هو والملائكة عبيداً، أو أن يكون هو وهم يعبد ربه استنكافهم هم، فقد يرضى شخص أن يضرب هو وزيد عمراً ولا يرضى ذلك زيد ويظهر أيضاً مرجوحية الوجهين من جهة دخول لا، إذ لو أريد العطف على الضمير في يكون، أو على المستتر في عبداً.
لم تدخل لا، بل كان يكون التركيب بدونها تقول : ما يريد زيد أن يكون هو وأبوه قائمين، وتقول : ما يريد زيد أن يصطلح هو وعمرو، فهذان ونحوهما ليسا من مظنات دخول لا، فإن وجد من لسان العرب دخول لا في نحو من هذا فهي زائدة.


الصفحة التالية
Icon