﴿ وَيَسْتَكْبِرْ ﴾ أي عن ذلك، وأصل الاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق لا بمعنى طلب تحصيله مع اعتقاد عدم حصوله بل بمعنى عد نفسه كبيراً واعتقاده كذلك وإنما عبر عنه بما يدل على الطلب للإيذان بأن مآله محض الطلب بدون حصول المطلوب، ونظير ذلك على ما قيل : قوله تعالى :﴿ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [ الأعراف : ٤٥ ]، والاستكبار على ما أشار إليه الزجاج وتقدم دون الاستنكاف ؛ وجاء في الحديث عنه ﷺ :" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل : يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة قال : إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس " وللناس في تأويل الحديث أقوال ذكرها الإمام النووي في "شرح مسلم"، منها أن المراد بالكبر المانع من دخول الجنة "هو التكبر على الإيمان"، واختاره مولانا أفضل المعاصرين، ثم قال : وعليه فالمنفي أصل الدخول كما هو الظاهر المتبادر، وتنكير الكبر للنوعية، والمعرف في آخر الحديث هو جنس الكبر لا هذا النوع بخصوصه وإن كان الغالب في إعادة النكرة معرفة إرادة عين الأول، إنما خص ﷺ حكم ذلك النوع بالبيان ليكون أبلغ في الزجر عن الكبر فإن جنساً يبلغ بعض أنواعه بصاحبه من وخامة العاقبة وسوء المغبة، هذا المبلغ أعني الشقاء المؤبد جدير بأن يحترز عنه غاية الاحتراز، ثم عرف ﷺ الكبر بما عرفه لئلا يتوهم انحصار الكبر المذموم في النوع المذكور.
وبهذا التقرير اندفع استبعاد النووي رحمه الله تعالى لهذا التأويل بأن "الحديث ورد في سياق الزجر عن الكبر المعروف وهو إنكار الحق واحتقار الناس فحمل الكبر على ذلك خاصة خروج" عن مذاق الكلام ووجه اندفاعه غير خفي على ذوي الأفهام انتهى.
والظاهر أن ما في الحديث تعريف باللازم للمعنى اللغوي.