أن يكون المسيح أفضل من الملائكة وأعلى رتبة، لكان ذكر الملائكة بعده كالمستغنى عنه، لأنه إذا كان الأفضل وهو المسيح، على هذا التقدير، عبداً لله غير مستنكف من العبودية - لزم من ذلك أن من دونه في الفضيلة أولى أن لا يستنكف عن كونه عبداً لله، وهم الملائكة على هذا التقدير، فلم يتجدد إذاً بقوله :﴿ وَلاَ الملآئِكَةُ المقَرّبُونَ ﴾ إلا ما سلف أول الكلام، وإذا قدرت المسيح مفضولاً بالنسبة إلى الملائكة، فإنك ترقيت من تعظيم الله تعالى بأن المفضول لا يستنكف عن كونه عبداً له، إلا أن الأفضل لا يستنكف عن ذلك، وليس يلزم من عدم استنكاف المفضول عدم استنكاف الأفضل، فالحاجة داعية إلى ذكر الملائكة، إذ لم يستلزم الأول الآخر، فصار الكلام على هذا التقدير تتجدد فوائده وتتزايد، وما كان كذلك تعين أن يحمل عليه الكتاب العزيز، لأن الغاية في البلاغة، وبهذه النكتة يجب أن نقول : لا تؤذ مسلماً ولا ذمياً، فتؤخر الأدنى على عكس الترتيب في الآية، لأنك إذا نهيته عن إيذاء المسلم، فقد يقال ذاك من خواصه احتراماً للإسلام، فلا يلزم من ذلك نهيه عن الكافر المسلوبة عنه هذه الخصوصية، فإذا قلت : ولا ذميّاً - فقد جددت فائدة لم تكن في الأول، وترقيت من النهي عن بعض أنواع الأذى، إلى النهي عن أكثر منه، ولو رتبت هذا المثال كترتيب الآية، فقلت : لا تؤذ ذمياً، فهم المنهي أن أذى المسلم أدخل في النهي، إذ يساوي الذمي في سبب الاحترام وهو الْإِنْسَاْنية مثلاً، ويمتاز عنه بسبب أجل وأعظم وهو الإسلام، فيقنعه هذا النهي عن تجديد نهي آخر عن أذى المسلم.