وإن الطهارة فى الصلاة لها غاية اجتماعية عالية، وهى حسن التعامل، وإقامة العدالة، ولذلك أمر من بعد هذا بإقامة العدالة مع العدو، ومع الولى على سواء، ثم ذكر المؤمنين بأن العدالة هى التى تحمى المجتمعات، وأن الله تعالى حماهم عندما هم قوم أن يبسطوا أيديهم بإيذائهم، ثم ذكرهم ببنى إسرائيل أنهم عندما نقضوا الميثاق الذى أخذه الله تعالى عليهم بإقامة العدل لعنهم الله تعالى، وجعل قلوبهم قاسية قد غلقت عن الحق، وأغلفت على تحكم الهوى، فأخذوا يحرفون الكتب ويحذفون منها ما لا تهوى الأنفس، وكذلك فعل النصارى حتى ادعوا الألوهية للمسيح عيسى ابن مريم، فكفروا، واسترسلوا حتى ادعى اليهود والنصارى أنهم أبناء الله تعالى وأحباؤه، ثم وجه الله تعالى الخطاب من بعد للذين عاصروا النبي ﷺ يدعوهم إلى الحق، ويقيم الحجة عليهم بهذه الدعوة القائمة.
وإن الذل يفسد القلوب، ويذهب النخوة، وكذلك كان الأمر بالنسبة لليهود، فقد ذكرت السورة الكريمة أنهم بعد أن ضربت عليهم الذلة فى مصر أراد موسى - عليه السلام - بأمر ربه أن يجعل منهم قوما ذوى بأس، فأراد أن يقودهم ليدخلوا الأرض المقدسة، ولكنهم آثروا الاستنامة، فأخذوا يتيهون فى الأرض أربعين سنة.
وإن النفس البشرية إذا دخلها الحسد فسدت، وصارت العداوة بدل المودة فى موضع كان يجب أن تسوده المحبة، وقد ذكر الله تعالى فى هذه السورة خبر ابنى آدم إذ قتل أحدهما الآخر ؟ لأنه قبل قربانه، ولما أخذه الندم بعد فوات وقت العمل حار فى مواراة جثة أخيه، حتى تعلمها من غراب أخذ يبحث فى الأرض ليوارى جثة غراب مثله.
وإذا كان الحسد حتى فى العبادات يؤدى إلى القتل ؟ فلذلك شرعت عقوبة القصاص، كما ذكر النص القرآنى فى هذه السورة الجامعة.


الصفحة التالية
Icon