وقال الشيخ سيد قطب رحمه الله :
التعريف بسورة المائدة
نزل هذا القرآن الكريم على قلب رسول الله [ ص ] لينشى ء به أمة ; وليقيم به دولة ; ولينظم به مجتمعا ; وليربي به ضمائر وأخلاقا وعقولا ; وليحدد به روابط ذلك المجتمع ; فيما بينه ; وروابط تلك الدولة مع سائر الدول ; وعلاقات تلك الأمة بشتى الأمم.. وليربط ذلك كله برباط قوي واحد، يجمع متفرقة، ويؤلف أجزاءه، ويشدها كلها إلى مصدر واحد، وإلى سلطان واحد، وإلى جهة واحدة.. وذلك هو الدين، كما هو في حقيقته عند الله ; وكما عرفه المسلمون. أيام أن كانوا "مسلمين" !
ومن ثم نجد في هذه السورة - كما وجدنا في السور الثلاث الطوال قبلها - موضوعات شتى ; الرابط بينها جميعا هو هذا الهدف الأصيل الذي جاء القرآن كله لتحقيقه: إنشاء أمة، وإقامة دولة، وتنظيم مجتمع ; على أساس من عقيدة خاصة، وتصور معين، وبناء جديد.. الأصل فيه إفراد الله - سبحانه - بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان ; وتلقي منهج الحياة وشريعتها ونظامها وموازينها وقيمها منه وحده بلا شريك..
وكذلك نجد بناء التصور الاعتقادي وتوضيحه وتخليصه من أساطير الوثنية، وانحرافات أهل الكتاب وتحريفاتهم.. إلى جانب تبصير الجماعة المسلمة بحقيقة ذاتها وحقيقة دورها، وطبيعة طريقها وما في هذا الطريق من مزالق وأشواك، وشباك يرصدها لها أعداؤها وأعداء هذا الدين.. إلى جانب أحكام الشعائر التعبدية التي تطهر روح الفرد المسلم وروح الجماعة المسلمة ; وتربطها بربها. إلى جانب التشريعات الاجتماعية التي تنظم روابط مجتمعها ; والتشريعات الدولية التي تنظم علاقاتها بغيرها.. إلى جانب التشريعات التي تحلل وتحرم ألوانا من المآكل والمشارب والمناكح ; أو ألوانا من الأعمال والمسالك.. كل ذلك حزمة واحدة في السورة الواحدة يمثل معنى "الدين" كما أراده الله وكما فهمه المسلمون. أيام أن كانوا مسلمين.


الصفحة التالية
Icon