وقد كان بعض العرب إذا تأخّر في مكة حتّى خرجت الأشهر الحُرُم، وأراد أن يرجع إلى وطنه، وضع في عنقه قلادة من لحاء شجر الحرم فلا يُتَعرّضُ له بسوء.
ووجه عطف القلائد على الهدي المبالغة في احترامه بحيث يحرم الاعتداء على قلادته بله ذاته، وهذا كقول أبي بكر : والله لو منعوني عِقالاً كانوا يؤدّونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه.
على أنّ القلائد ممّا ينتفع به، إذ كان أهل مكة يتّخذون من القلائد نعالاً لفقرائهم، كما كانوا ينتفعون بجلال البدن، وهي شُقق من ثياب توضع على كفل البدنة ؛ فيتّخذون منها قُمصاً لهم وأزُراً، فلذلك كان النهي عن إحلالها كالنهي عن إحلال الهدي لأنّ في ذلك تعطيل مصالح سكان الحرم الذين استجاب الله فيهم دعوة إبراهيم إذ قال :﴿ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ] قال تعالى :﴿ جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ﴾ [ المائدة : ٩٧ ].
وقوله :﴿ ولا آمّين البيت الحرام ﴾ عطف على ﴿ شعائر الله ﴾ : أي ولا تحلّوا قاصدي البيت الحرام وهم الحجّاج، فالمراد قاصدوه لحجّه، لأنّ البيت لا يقصد إلاّ للحجّ، ولذلك لم يقل : ولا آمِّين مكة، لأنّ من قصد مكة قد يقصدها لتجر ونحوه، لأنّ من جملة حُرمَة البيت حرمة قاصده.
ولا شك أنّ المراد آمِّين البيت من المشركين ؛ لأنّ آمِّين البيت من المؤمنين محرّم أذاهم في حالة قصد البيت وغيرها من الأحوال.
وقد روي ما يؤيّد هذا في أسباب النزول : وهو أن خيلاً من بكر بن وائل وردوا المدينة وقائدهم شريح بن ضُبَيْعَة الملقّب بالحُطَم ( بوزن زُفر )، والمكنّى أيضاً بابننِ هند.


الصفحة التالية
Icon