وهذا إنما وقع ترتيبه هكذا في القرآن المتلو، وأما تنزيله يفي ترتيب البيان فإن أ، ل ما نزل على النبي ( ﷺ ) هو حرف المحكم وهو قوله سبحانه وتعالى ) اقرأ باسم ربك الي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم ٨ ) [ العلق : ١ - ٥ ] الآياتن الخمس، وأونل ما أنزل إلى الأمة يفي ترتيب البيان هو من حرف الزجر والنهي وهو قوله سبحانه وتعالى ) يا أيها المدثر قم فأنذر ) [ المدثر : ١ - ٢ ] أي ) نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) [ سبأ : ٤٦ ] أعلمهم بما تخاف عاقبته في الآخرة وإن كانوا قد اتخذوا في الدنيا مودة بأوثانهم وقال تعالى ) إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ) [ العنكبوت : ٢٥ ] الآية، فابتدأ سبحانه وتعالى ترتيل الأمة بإصلاح المعاد الأهم لأن عليه يصلح أمر الدنيا، من استقل بآخرته كفاه الله أمر دنياه، وبدأ منها بحرف الزجر والنهي وهو المبدوء به في الحديث ورده النبي ( ﷺ ) لفظ الزجر بلفظ النهي لأن المقصود بهما واحد وهو الردع عما يضر في المعاد إلا أن الردع عل وجهين : خطاب لمعرض ويسمى زجرا كما يسمى في حق البهائم، وخطاب لمقبل على التفهم ويسمى نهيا، قكأن الزجر يزيع الطبع والنهي يزيع العقل، انتهى. وقد بان من هذا سر افتتاح البقرة بالمعروف المقطعة.
ولما كان الذي ابتدئت به السور من ذلك شطر حروف المعجم كان كأنه قيل من زعم أن القرآن ليس كلام الله فليأخذ الشطر الآخر ويركب عليه كلاما يعارضه به، نقل ذلك الزركشي في البرهان عن القاضي أبي بكر قال : وقد علم ذلك بعض أرباب الحقائق، وجمعها الزركشي في قوله : نص حكيم قاطع له سر، وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه : في كل كتا بسر وسر الله في القرآن أوائل السوروعن علي رضي الله تعالى عنه و كرم الله وجهه : أن لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي.


الصفحة التالية
Icon