وإذا تأملت جميع ذلك، وأمعنت فيه النظر لاح لك سرُّ تعقيبها بقوله تعالى في سياق مشير إلى البشارة بأن هذه الأمة تطيع ولا تعصى فتؤمن ولا تكفر، لما خص به كتابها من البيان الأتم في النظم المعجز مع شرف التذكير بما أفاضه من شرف جليل الأيادي، فافتتح هذه السورة بالأمر بالوفاء بحق الربوبية، وأتبعه التذكير بما وفى به سبحانه من حق الربوبية من نوع المنافع في لذة المطعم وتوابعه ولذة المنكح وتوابعه، وقدم المطعم لأن الحاجة إليه فوق الحاجة إلى المنكح. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٩٧ ـ ٤٠٠﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى :﴿اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات ﴾.
اعلم أنه تعالى أخبر في هذه الآية المتقدمة أنه أحل الطيبات، وكان المقصود من ذكره الأخبار عن هذا الحكم، ثم أعاد ذكره في هذه الآية، والغرض من ذكره أنه قال :﴿اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى﴾ فبين أنه كما أكمل الدين وأتمم النعمة في كل ما يتعلق بالدين، فكذلك أتم النعمة في كل ما يتعلق بالدنيا، ومنها إحلال الطيبات، والغرض من الاعادة رعاية هذه النكتة.
ثم قال تعالى :﴿وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ﴾ وفي المراد بالطعام هاهنا وجوه ثلاثة : الأول : أنه الذبائح، يعني أنه يحل لنا أكل ذبائح أهل الكتاب، وأما المجوس فقد سن فيهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاس نسائهم، وعن علي رضي الله عنه أنه استثنى نصارى بني تغلب، وقال : ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلاّ شرب الخمر، وبه أخذ الشافعي رحمه الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا بأس به، وبه أخذوا أبو حنيفة رحمه الله.


الصفحة التالية
Icon