وقال الحسن : إذا ذبح اليهودي والنصراني وذكر غير اسم الله وأنت تسمع فلا تأكل وإذا غاب عنك فكل فقد أحله الله لك وقد زعم قوم أن هذه الآية اقتضت إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقاً وإن ذكروا غير اسم الله فيكون هذا ناسخاً لقوله تعالى : ولا تأكلو مما لم يذكر اسم الله عليه، وليس الأمر كذلك ولا نسخ لأن الأصل أنهم يذكرون الله عند الذبح فيحمل أمرهم على هذا فإن تيقنا أنهم ذبحوا على غير اسم الله لم تأكل ولا وجه للنسخ.
وقوله تعالى :﴿ وطعامكم حل لهم ﴾ يعني أن ذبائحنا لهم حلال وهذا يدل على أنهم مخاطبون بشريعتنا.
وقال الزجاج : معناه ويحل لكم أن تطعموهم من طعامكم فجعل الخطاب للمؤمنين على معنى أن التحليل يعود إلى إطعامنا إياهم لا إليهم لأنه لا يمتنع أن يحرم الله تعالى أن تطعمهم من ذبائحنا.
وقيل : إن الفائدة في ذكر ذلك أن إباحة المناكحة غير حاصلة من الجانبين وإباحة الذبائح كانت حاصلة من الجانبين لا جرم ذكر الله تعالى ذلك تنبيهاً على التمييز بين النوعين. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ﴾.
يجيء في التقييد ( باليوم ) هنا ما جاء في قوله :﴿ اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ﴾ [ المائدة : ٣ ] وقولِه :﴿ اليوم أكملت لكم دينكم ﴾ [ المائدة : ٣ ]، عدا وجه تقييد حصول الفعل حقيقة بذلك اليوم، فلا يجيء هنا، لأنّ إحلال الطيّبات أمر سابق إذ لم يكن شيء منها محرّماً، ولكن ذلك اليوم كان يوم الإعلام به بصفة كليّة، فيكون كقوله :﴿ ورَضيت لكم الإسلام ديناً ﴾ [ المائدة : ٣ ] في تعلّق قوله :﴿ اليوم ﴾ به، كما تقدّم.
ومناسبة ذكر ذلك عقب قوله ﴿ اليوم يئسَ ﴾ [ المائدة : ٣ ] و﴿ اليوم أكملت ﴾ [ المائدة : ٣ ] أنّ هذا أيضاً منّة كبرى لأنّ إلقاء الأحكام بصفة كلّيّة نعمة في التفقّه في الدين.