ولما كان في الصيد من العظم وغيره ما لا يؤكل قال :﴿مما أمسكن﴾ أي الجوارح مستقراً إمساكها ﴿عليكم﴾ أي على تعليمكم، لا على جبلتها وطبيتعها دون تعليمكم، وذلك هو الذي لم يأكلن منه وإن مات قبل إدراك ذكاته، وأما ما أمسك الجارح على أي مستقراً على جبلته وطبعه، ناظراً فيه إلى نفاسه نفسه فلا يحل ﴿واذكروا اسم الله﴾ أي الذي له كل شيء ولا كفوء له ﴿عليه﴾ أي على ما أمسكن عند إرسال الجارح أو عند الذبح إن أدركت ذكاته، لتخالفوا سنة الجاهلية وتأخذوه من مالكه، وقد صارت نسبة هذه الجملة. كما ترى.
إلى ﴿حرمت عليكم الميتة﴾ [ المائدة : ٣ ] نسبة المستثنى إلى المستثنى منه، وإلى مفهوم غير محلي الصيد وانتم حرم نسبة الشرح.
ولما كان تعليم الجوارح أمراً خارجاً عن العادة في نفسه وإن كان قد كثر، حتى صار مألوفاً، وكان الصيد بها أمراً تُعجب شرعته وتهز النفوس كيفيتُه، ختم الآية بما هو خارج عن عادة البشر وطرقها من سرعة الحساب ولطف العلم بمقدار الاستحقاق من الثواب والعقاب، فقال محذراً من إهمال شيء مما رسمه :﴿واتقوا﴾ أي حاسبوا أنفسكم واتقوا ﴿الله﴾ أي عالم الغيب والشهادة القادر على كل شيء فيما أدركتم ذكاته وما لم تدركوها، وما أمسكه الجارح عليكم وما أمسكه على نفسه - إلى غير ذلك من أمور الصيد التي لا يقف عندها إلا من غلبت عليه مهابة الله واستشعر خوفه، فاتقاه فيما أحل وما حرم، ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الله﴾ أي الجامع لمجامع العظمة ﴿سريع الحساب﴾ أي عالم بكل شيء وقادر عليه في كل وقت، فهو قادر على كل جزاء يريده، لا يشغله أحد عن أحد ولا شأن عن شأن. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٩٤ ـ ٣٩٧﴾
فائدة
قال الفخر :
قال صاحب "الكشاف" في السؤال معنى القول، فلذلك وقع بعده ﴿مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ كأنه قيل : يقولون لك ماذا أحل لهم، وإنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوه.