واعلم أن هذا ضعيف لأنه لو كان هذا حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا ماذا أحل لهم، ومعلوم أن هذا باطل لأنهم لا يقولون ذلك، بل إنما يقولون ماذا أحل لنا، بل الصحيح أن هذا ليس حكاية لكلامهم بعبارتهم، بل هو بيان لكيفية الواقعة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١١٣﴾

فصل


قال الفخر :
إن العرب في الجاهلية كانوا يحرمون أشياء من الطيبات كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
فهم كانوا يحكمون بكونها طيبة إلا أنهم كانوا يحرمون أكلها لشبهات ضعيفة، فذكر تعالى أن كل ما يستطاب فهو حلال، وأكد هذه الآية بقوله ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ الرزق﴾ [ الأعراف : ٣٢ ] وبقوله ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ].
واعلم أن الطيب في اللغة هو المستلذ، والحلال المأذون فيه يسمى أيضاً طيباً تشبيهاً بما هو مستلذ، لأنهما اجتمعا في انتفاء المضرة، فلا يمكن أن يكون المراد بالطيبات هاهنا المحللات، وإلا لصار تقدير الآية : قل أحل لكم المحلللات، ومعلوم أن هذا ركيك، فوجب حمل الطيبات على المستلذ المشتهى، فصار التقدير : أحل لكم كل ما يستلذ ويشتهى.
ثم اعلم أن العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة، فإن أهل البادية يستطيبون أكل جميع الحيوانات، ويتأكد دلالة هذه الآيات بقوله تعالى :﴿خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الارض جَمِيعاً﴾ [ البقرة : ٢٩ ] فهذا يقتضي التمكن من الانتفاع بكل ما في الأرض، إلا أنه أدخل التخصيص في ذلك العموم فقال ﴿وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث﴾ ( الأعراف ؛ ١٥٧ ) ونص في هذه الآيات الكثيرة على إباحة المستلذات والطيبات فصار هذا أصلاً كبيراً، وقانون مرجوعاً إليه في معرفة ما يحل ويحرم من الأطعمة، منها أن لحم الخيل مباح عند الشافعي رحمه الله.
وقال أبو حنيفة رحمه الله ليس بمباح.


الصفحة التالية
Icon