وقد قيل : إن الخفض في الرجلين إنما جاء مقيّداً لمسحهما لكن إذا كان عليهما خُفَّان، وتلقينا هذا القيد من رسول الله ﷺ، إذْ لم يصح عنه أنه مسح رجليه إلا وعليهما خُفّان، فبيّن ﷺ بفعله الحال التي تُغسل فيه الرِّجل والحال التي تمسح فيه، وهذا حسن.
فإن قيل : إنّ المسح على الخفين منسوخ بسورة "المائدة" وقد قاله ابن عباس، وردّ المسح أبو هريرة وعائشة، وأنكره مالك في رواية عنه فالجواب أن من نفى شيئاً وأثبته غيره فلا حجة للنافي، وقد أثبت المسح على الخُفّين عدد كثير من الصحابة وغيرهم، وقد قال الحسن : حدّثني سبعون رجلاً من أصحاب النبي ﷺ أنهم مسحوا على الخفين ؛ وقد ثبت بالنقل الصحيح عن همام قال : بَالَ جَريرٌ ثم توضأ ومسح على خُفيه.
قال إبراهيم النخعيّ : وإن رسول الله ﷺ بال ثم توضأ ومسح على خُفَّيه.
قال إبراهيم النخعي : كان يعجبهم هذا الحديث ؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول "المائدة" وهذا نص يردّ ما ذكروه وما احتجوا به من رواية الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن جريراً أسلم في ستة عشر من شهر رمضان، وأن "المائدة" نزلت في ذي الحجة يوم عرفات، وهذا حديث لا يثبت لوهاه ؛ وإنما نزل منها يوم عرفة ﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ على ما تقدّم ؛ قال أحمد بن حنبل : أنا أستحسن حديث جَرير في المسح على الخفين ؛ لأن إسلامه كان بعد نزول "المائدة" وأما ما روي عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما فلا يصح، أما عائشة فلم يكن عندها بذلك عِلْم ؛ ولذلك رَدَّت السائل إلى علي رضي الله عنه وأحالته عليه فقالت : سَلْه فإنه كان يسافر مع رسول الله ﷺ ؛ الحديثَ.
وأمّا مالك فما روي عنه من الإنكار فهو مُنْكر لا يصح، والصحيح ما قاله عند موته لابن نافع قال : إني كنت آخذ في خاصة نفسي بالطهور ولا أرى من مسح مُقَصّراً فيما يجب عليه.