قلت : والقاطع في الباب من أن فرض الرِّجلين الغَسل ما قدّمناه، وما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام :" ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار " فخوّفنا بذكر النار على مخالفة مراد الله عز وجل، ومعلوم أن النار لا يُعذَّب بها إلا من ترك الواجب، ومعلوم أن المسح ليس شأنه الآستيعاب ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أنّ ذلك على ظهورهما لا على بطونهما، فتبيّن بهذا الحديث بطلان قول من قال بالمسح، إذ لا مدخل لمسح بطونهما عندهم، وإنما ذلك يُدرك بالغَسل لا بالمسح.
ودليل آخر من جهة الإجماع ؛ وذلك أنهم اتفقوا على أن من غسل قدميه فقد أدّى الواجب عليه، واختلفوا فيمن مسح قدميه ؛ فاليقين ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه.
ونقل الجمهور كافّة عن كافّة عن نبيهم ﷺ أنه كان يغسل رجليه في وضوئه مرة واثنتين وثلاثاً حتى يُنقيهما ؛ وحسبك بهذا حجة في الغَسل مع ما بيّناه فقد وَضَح وظهر أن قراءة الخفض المعني فيها الغسل لا المسح كما ذكرنا، وأن العامل في قوله "وَأَرْجُلَكُمْ" قوله :﴿ فاغسلوا ﴾ والعرب قد تعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما تقول : أكلت الخبز واللبن أي وشربت اللبن ؛ ومنه قول الشاعر :
عَلفتُها تِبْناً ومَاءً بارداً...
وقال آخر :
ورأيتُ زوجِك في الوغى...
مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحا
وقال آخر :
...
...
...
وأَطْفَلَتْ...
بِالَجْلَهَتَيْن ظِباؤُها ونَعامُها
وقال آخر :
شَرَّابُ ألْبانٍ وتمرٍ وإقِط...
التقدير : علفتها تِبناً وسَقيتُها ماء.
ومتقلِّداً سيفاً وحامِلاً رُمْحاً.
وأطْفَلَتْ بالجَلهَتَيْنِ ظباؤها وفرخت نعامها ؛ والنعام لا يُطفِل إنما يُفرِخ.
وأطفلت كان لها أطفال، والجَلْهَتَانِ جنبتا الوادي.
وشَرَّابُ ألبانٍ وآكلُ تمر ؛ فيكون قوله :"وَامْسَحُوا بِرُءُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ" عطف بالغَسل على المسح حَمْلاً على المعنى والمراد الغَسل ؛ والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon