وقد كان مالك رحمه الله في آخر عمره يَدْلُك أصابع رجليه بِخنصره أو ببعض أصابعه لحديث حدّثه به ابن وهب عن ابن لَهِيعَة والّليث بن سعد عن يزيد بن عمرو الغِفَاري عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي " عن المُسْتَورِد بن شدّاد القُرشي قال : رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ فيُخلل بِخنصره ما بين أصابع رجليه " ؛ قال ابن وهب فقال لي مالك : إنّ هذا لحسن، وما سمعتُه قطّ إلا السّاعة ؛ قال ابن وهب : وسمعتُه سئُل بعد ذلك عن تخليل الأصابع في الوضوء فأمر به.
وقد رَوى حُذَيفة أن النبي ﷺ قال :" خَلِّلوا بين الأصابع لا تُخَللها النّار " وهذا نص في الوعيد على ترك التَّخليل ؛ فثبت ماقلناه.
والله الموفق.
السادسة عشرة ألفاظ الآية تقتضي الموالاة بين الأعضاء، وهي إتباع المتوضىء الفِعْلَ الفِعْلَ إلى آخره من غير تراخ بين أبعاضه، ولا فصل بفعل ليس منه ؛ واختلف العلماء في ذلك ؛ فقال ابن أبي سَلَمة وابن وهب : ذلك من فروض الوُضوء في الذّكر والنسيان، فمن فرّق بين أعضاء وضوئه متعمداً أو ناسياً لم يجزه.
وقال ابن عبدالحكم : يجزئه ناسياً ومتعمّداً.
وقال مالك في "المدوّنة" وكتاب محمد : إن الموالاة ساقطة ؛ وبه قال الشافعي.
وقال مالك وابن القاسم : إن فرَّقه متعمداً لم يُجزه ويُجزئه ناسياً ؛ وقال مالك في رواية ابن حبيب : يُجزئه في المغسول ولا يُجزئه في الممسوح ؛ فهذه خمسة أقوال ابتنيت على أصلين : الأوّل أن الله سبحانه وتعالى أَمَرَ أَمْرا مطلقاً فوالِ أو فرِّق، وإنما المقصود وجود الغَسل في جميع الأعضاء عند القيام إلى الصّلاة.
والثاني أنها عبادات ذات أركان مختلفة فوجب فيها التوالي كالصّلاة ؛ وهذا أصح.
والله أعلم.
السابعة عشرة وتتضمن ألفاظ الآية أيضاً الترتيب وقد اختلف فيه ؛ فقال الأَبْهَري : الترتيب سنة، وظاهر المذهب أن التَّنكيس للناسي يُجزىء، واختلف في العامد فقيل : يُجزىء ويُرتِّب في المستقبل.


الصفحة التالية
Icon