وقال أبو بكر القاضي وغيره : لا يجزىء لأنه عابث، وإلى هذا ذهب الشافعي وسائر أصحابه، وبه يقول أحمد بن حنبل وأبو عُبيد القاسم بن سلام وإسحاق وأبو ثور، وإليه ذهب أبو مُصْعَب صاحب مالك وذكره في مختصره، وحكاه عن أهل المدينة ومالك معهم في أن من قدّم في الوضوء يديه على وجهه، ولم يتوضأ على ترتيب الآية فعليه الإعادة لما صلّى بذلك الوُضوء.
وذهب مالك في أكثر الروايات عنه وأشهرها أن "الواو" لا توجب التّعقيب ولا تُعطي رتبة، وبذلك قال أصحابه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثَّوري والأوزاعي والليث بن سعد والمُزني وداود بن علي ؛ قال الكِيَا الطَّبَري ظاهر قوله تعالى :﴿ فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ﴾ يقتضي الإجزاء فرَّق أو جَمَع أو وَالَى على ما هو الصحيح من مذهب الشافعي، وهو مذهب الأكثرين من العلماء.
قال أبو عمرو : إلاّ أنّ مالكا يَستحبّ له استئناف الوُضوء على النَّسق لمَا يُستقبل من الصلاة ولا يَرى ذلك واجباً عليه ؛ هذا تحصيل مذهبه.
وقد رَوى علي بن زياد عن مالك قال : من غَسل ذراعيه ثم وجهه ثم ذكر مكانه أعاد غَسل ذراعيه، وإن لم يَذكر حتى صّلى أعاد الوُضوء والصلاة ؛ قال عليٌّ ثم قال بعد ذلك : لا يعيد الصلاة ويعيد الوضوء لما يُستأنف.
وسبب الخلاف ما قال بعضهم : إنّ "الفاء" توجب التعقيب في قوله :"فَاغْسِلُوا" فإنها لما كانت جواباً للشرط ربطت المشروط به ؛ فاقتضت الترتيب في الجميع ؛ وأجيب بأنه إنما اقتضت البداءة في الوجه إذ هو جزاء الشرط وجوابه، وإنما كانت تقتضي الترتيب في الجميع لو كان جواب الشرط معنى واحداً، فإذا كانت جُملاً كلّها جواباً لم تبال بأيها بدأت.
إذ المطلوب تحصيلها.
قيل : إنّ الترتيب إنما جاء من قبِل الواو ؛ وليس كذلك لأنك تقول : تقاتل زيد وعمرو، وتخاصم بكر وخالد، فدخولها في باب المفاعلة يخرجها عن الترتيب.


الصفحة التالية
Icon