والوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة، وهو عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض ؛ فحدّه في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين، ومن الأُذن إلى الأُذن في العرض، وهذا في الأمرد ؛ وأما الملتحي فإذا اكتسى الذّقن بالشعر فلا يخلو أن يكون خفيفاً أو كثِيفاً ؛ فإن كان الأوّل بحيث تبِين منه البشرة فلا بدّ من إيصال الماء إليها، وإن كان كثيفاً فقد انتقل الفرض إليه كشعر الرأس ؛ ثم ما زاد على الذّقن من الشعر واسترسل من اللحية فقال سُحنون عن ابن القاسم : سمعت مالكاً سئل : هل سمعت بعض أهل العلم يقول إن اللحية من الوجه فليمرّ عليها الماء؟ قال : نعم، وتخليلها في الوضوء ليس من أَمْر الناس، وعاب ذلك على من فَعَله.
وذكر ابن القاسم أيضاً عن مالك قال : يحرّك المتوضّىء ظاهر لحيته من غير أن يدخل يده فيها ؛ قال : وهي مثل أصابع الرجلين.
قال ابن عبد الحكم : تخليل اللحية واجب في الوضوء والغُسْل.
قال أبو عمر : رُوِي عن النبيّ ﷺ أنه خَلَّل لحيته في الوضوء من وجوه كلها ضعيفة.
وذكر ابن خُوَيْزِمَنْدَادَ : أن الفقهاء اتفقوا على أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء، إلا شيء رُوِي عن سعيد بن جبير ؛ قوله : ما بال الرجل يغسِل لِحيته قبل أن تنبت فإذا نبتت لم يغسِلها، وما بال الأمْرَد يَغسِل ذقنه ولا يغسِله ذو اللحية؟ قال الطحاويّ : التّيمّم واجب فيه مَسْح البشرة قبل نبات الشعر في الوجه ثم سقط بعده عند جميعهم، فكذلك الوضوء.
قال أبو عمر : من جَعَل غسل اللحية كلها واجباً جَعَلَهَا وَجْهاً ؛ لأن الوجه مأخوذ من المواجهة، والله قد أَمَر بغسل الوجه أَمْراً مطلقاً لم يخصّ صاحب لحية من أمرد ؛ فوجب غَسْلها بظاهر القرآن لأنها بدل من البَشَرة.
قلت : واختار هذا القول ابن العربي وقال : وبه أقول ؛ لما رُوِي أن النبيّ ﷺ كان يَغسِل لحيته، خرّجه الترمذي وغيره ؛ فعيّن المحتمل بالفعل.


الصفحة التالية
Icon