وأخرج أبو نعيم في " دلائل النبوة " من طريق الحسن عن جابر بن عبد الله، < أن رجلاً من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه : أقتل لكم محمداً : فأقبل إلى رسول الله ﷺ وهو جالس وسيفه في حجره فقال : يا محمد ! أأنظر إلى سيفك هذا ؟ قال : نعم. فأخذه فاستله وجعل يهزه ويهم به فيكبته الله تعالى. فقال يا محمد ! أما تخافني ؟ قال : لا. قال : أما تخافني والسيف في يدي ؟ قال : لا يمنعني الله منك. ثم غمد السيف ورده إلى رسول الله >. فأنزل الله الآية.
وقصة هذا الأعرابي ثابتة في " الصحيح ". وأخرج ابن جرير عن عِكْرِمَة ويزيد بن أبي زيادة واللفظ له أن النبيّ ﷺ خرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على كعب بن الأشرف ويهود بني النضير، يستعينهم في عقلٍ أصابه. فقالوا : نعم. اجلس حتى نطعمك أو نعطيك الذي تسألنا، فجلس. فقال حييّ بن أخطب لأصحابه : لا ترونه أقرب منه الآن. اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه. ولا ترون شرّاً أبداً، فجاؤوا إلى رحى عظيمة ليطرحوها عليه، فأمسك الله عنها أيديهم. حتى جاء جبريل فأقامه من ثمت. فأنزل الله الآية. وروى نحوه ابن أبي حاتم.
قال ابن كثير : ثم أمر رسول الله ﷺ أن يغدو إليهم، فحاصرهم حتى أنزلهم فأجلاهم. انتهى.
وعلى هذه الروايات، فالمراد من قوله تعالى :﴿ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ تذكير نعمة الله عليهم بدفع الشر والمكروه عن نبيّهم، فإنه لو حصل ذلك لكان من أعظم المحن.
وذكر الزمخشري، ومن بعده، من وجوه إشارات الآية، ما كان بعسفان من حفظه تعالى لهم من أعدائهم، لما هموّا بقتلهم عند اشتغالهم بصلاة العصر، بعد ما رأوهم يصلون الظهر. فندموا على أن لا أكبوا عليهم. فردّ كيد أعدائهم إذ أنزل عليهم صلاة الخوف. انتهى.