اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ الطلاق : ٢ - ٣ ]. والحسب : الكافي. فبيّن أنه كاف مَنْ توكل عليه. وفي الدعاء : يا حسيب المتوكلين ! فلا يقال : هو حسْب غير المتوكل كما هو حسْب المتوكل، لأنه علق هذه الجملة على الأولى تعليق الجزاء على الشرط، فيمتنع في مثل ذلك أن يكون وجود الشرط كعدمه. ولأنه رتب الحكم على الوصف المناسب له. فعلم أن توكله هو سبب كونه حسيباً له، ولأنه ذكر ذلك في سياق الترغيب في التوكل، كما رغب في التقوى. فلو لم يحصل للمتوكل من الكفاية ما لا يحصل لغيره، لم يكن ذلك مرغِّباً في التوكل. كما جعل التقوى سبباً للخروج من الشدة وحصول الرزق من حيث لا يحتسب. وقال تعالى :﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [ آل عِمْرَان : ١٧٣ ] فمدحوه سبحانه بأنه نعم الوكيل، والوكيل لا يستحق المدح إذا لم يجلب لمن توكل عليه منفعة ولم يدفع عنه مضرة. والله خير من توكل العباد عليه، فهو نعم الوكيل يجلب لهم كل خير ويدفع عنهم كل شرّ. وقال تعالى :﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾ [ المزمل : ٨ - ٩ ]. وقال :﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٢ ]. فأمر أن يُتَّخَذ وكيلاً ونهى أن يتخذ من دونه وكيلاً، لأن المخلوق لا يستقل بجميع حاجاتٍ العبد، والوكالة الجائزة أن يتوكل الإنسان في فعلٍ يقدر عليه، فيحصل للموكل بذلك بعض مطلوبه. فأما مطالبه كلها فلا يقدر عليها إلاَّ الله. وذاك الذي يوكله لا يفعل شيئاً إلا بمشيئة الله وقدرته. فليس له أن يتوكل عليه، وإن وكله. بل يعتمد على الله في


الصفحة التالية
Icon