إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : ٥٦ ]. وإذا قرن به التوكل كان مأموراً به بخصوصه. وهذا كلفظ الإسلام والإيمان. والإيمان والعمل، ولفظ الصلاة مع العبادة ومع إتباع الكتاب. ولفظ الفحشاء والبغي مع المنكر. ونظائر ذلك متعددة، يكون اللفظ عند تجرده وإفراده يتناول أنواعاً. وقد يعطف بعض تلك الأنواع عليه فيكون مأموراً به لخصومه. ثم قد يقال : إذا عطف لم يدخل في المعطوف عليه. وقد يقال : بل الأمر به خاص وعام، كما في قوله :﴿ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة ٩٨ ]. وإذا كان الله أمره بالتوكل على الله، ثم قال :﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ علم أن الله وكيل كاف لمن توكل عليه. كما يقال في الخطب والدعاء : الحمد لله كافي من توكل عليه. وإذا كان " كَفَى بِهِ وكيلا ً " فهذا مختص به سبحانه، ليس غيره من الموجودات كَفَى به وَكَيلاً، فإن من يتخذ وكيلاً من المخلوقين غايته أن يفعل بعض الأمور، وهو لا يفعلها إلاَّ بإعانة الله، وهو عاجز عن أكثر المطالب، فإذا كان سبحانه وصف نفسه بأنه " كفى به وكيلاً " علم أنه يفعل بالمتوكل عليه ما لا يحتاج معه إلى غيره، من جلب المنافع ودفع المضار، إذ لو بقي شيء لم يكن " كفى به وكيلاً " وهذا نقيض قول من ظنّ أنّ المتوكل عليه لا يحصل له بتوكله جلب منفعة ولا دفع مضرة، بل يجري عليه من القضاء ما كان يجري لو لم يتوكل عليه. والذين ظنوا، أصل شبهتهم أنهم لما أثبتوا أن الله إذا قضى شيئاً فلا بد أن يكون، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما سبق علمه فهو كائن لا محالة - صاروا يظنون ما يوجد بسبب يوجد بدونه، وما يوجد مع عدم المانع يوجد مع المانع. وهذا غلظ عظيم ضلّ فيه طوائف : طائفة قالت : لا حاجة إلى الأعمال المأمورة بها. بل من خلق للجنة فهو يدخلها وإن لم يؤمن. ومن خلق للنار فهو يدخلها وإن آمن ولم يكفر. وهذه الشبهة سئل