وقد تقدّم نظير هذه الآية في سورة النساء، ولكن آية سورة النساء ( ١٣٥ ) تقول :﴿ كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ﴾ وما هنا بالعكس.
ووجه ذلك أنّ الآية الّتي في سورة النّساء وردت عقب آيات القضاء في الحقوق المبتدأة بقوله :﴿ إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك الله ﴾ [ النساء : ١٠٥ ]، ثمّ تعرّضت لقضية بني أبيرق في قوله :﴿ ولا تَكُن للخائنين خصيماً ﴾ [ النساء : ١٠٥ ]، ثمّ أردفت بأحكام المعاملة بين الرّجال والنّساء، فكان الأهمّ فيها أمرَ العدل فالشهادةِ.
فلذلك قدّم فيها ﴿ كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ﴾ [ النساء : ١٣٥ ] ؛ فالقسط فيها هو العدل في القضاء، ولذلك عدّي إليه بالباء، إذ قال :﴿ كونوا قوامين بالقسط ﴾ [ النساء : ١٣٥ ].
وأمّا الآية الّتي نحن بصدد تفسيرها فهي واردة بعد التذكير بميثاق الله، فكان المقام الأوّل للحصّ على القيام لله، أي الوفاء له بعهودهم له، ولذلك عدّي قوله :﴿ قوّامين ﴾ باللام.
وإذ كان العهد شهادة أتبع قولُه :﴿ قوّامين لله ﴾ بقوله :﴿ شهداء بالقسط ﴾، أي شهداء بالعدل شهادة لا حيف فيها، وأولَى شهادة بذلك شهادتهم لله تعالى.
وقد حصل من مجموع الآيتين : وجوب القيام بالعدل، والشهادة به، ووجوب القيام لله، والشهادة له. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾
قال الفخر :
﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾ أي لا يحملنكم بغض قوم على أن لا تعدلوا، وأراد أن لا تعدلوا فيهم لكنه حذف للعلم،


الصفحة التالية
Icon