وفي الآية قولان : الأول : أنها عامة والمعنى لا يحملنكم بغض قوم على أن تجوروا عليهم وتجاوزوا الحد فيهم، بل اعدلوا فيهم وإن أساؤا عليكم، وأحسنوا إليهم وإن بالغوا في إيحاشكم، فهذا خطاب عام، ومعناه أمر الله تعالى جميع الخلق بأن لا يعاملوا أحداً إلاّ على سبيل العدل والانصاف، وترك الميل والظلم والاعتساف، والثاني : أنها مختصة بالكفار فإنها نزلت في قريش لما صدوا المسلمين عن المسجد الحرام.
فإن قيل : فعلى هذا القول كيف يعقل ظلم المشركين مع أن المسلمين أمروا بقتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم ؟
قلنا : يمكن ظلمهم أيضاً من وجوه كثيرة : منها أنهم إذا أظهروا الإسلام لا يقبلونه منهم، ومنها قتل أولادهم الأطفال لاغتمام الآباء، ومنها إيقاع المثلة بهم، ومنها نقض عهودهم، والقول الأول أولى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٤٣ ـ ١٤٤﴾
وقال القرطبى :
﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾ على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق.
وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدوّ على عدوّه في الله تعالى ونفوذ شهادته عليه ؛ لأنه أمر بالعَدْلِ وإن أبغضه، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه.
ودلّت الآية أيضاً على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق، وأن المُثْلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغَمُّونا بذلك ؛ فليس لنا أن نقتلهم بمُثْلةٍ قصداً لإيصال الغمّ والحزن إليهم ؛ وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة ؛ هذا معنى الآية.
وتقدّم في صدر هذه السورة معنى قوله :﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾.
وقرِىء "وَلاَ يُجْرِمَنَّكُمْ" قال الكسَائيّ : هما لغتان.
وقال الزّجاج : معنى "وَلاَ يُجْرِمَنَّكُمْ" لا يُدخلنكم في الجُرم، كما تقول آثمني أي أدخلني في الإثم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon