والمعيّة في قوله :﴿ إنّي معكم ﴾ معيّة مجازية، تمثيل للعناية والحفظ والنصر، قال تعالى :﴿ إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنِّي معكم ﴾ [ الأنفال : ١٢ ]، وقال :﴿ إنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وأرى ﴾ [ طه : ٤٦ ] وقال :﴿ وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ﴾ [ الحديد : ٤ ].
والظاهر أنّ هذا القول وقع وعداً بالجزاء على الوفاء بالميثاق. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
فصل
قال الفخر :
إن الكلام قد تم عند قوله ﴿وَقَالَ الله إِنّى مَعَكُمْ﴾ والمعنى إني معكم بالعلم والقدرة فأسمع كلامكم وأرى أفعالكم واعلم ضمائركم وأقدر على إيصال الجزاء إليكم، فقوله ﴿إِنّى مَعَكُمْ﴾ مقدمة معتبرة جداً في الترغيب والترهيب، ثم لما وضع الله تعالى هذه المقدمة الكلية ذكر بعدها جملة شرطية، والشرط فيها مركب من أمور خمسة، وهي قوله ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة وَءاتَيْتُمْ الزكاة وَءامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً﴾ والجزاء هو قوله ﴿لأُكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سيئاتكم﴾ وذلك إشارة إلى إزالة العقاب.
وقوله ﴿ولأُدخلنكم جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار﴾ وهو إشارة إلى إيصال الثواب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٤٧﴾
وقال ابن عاشور :
وجملة ﴿ لئن أقمتم الصلاة ﴾ الآية.
استئناف محْض ليس منها شيء يتعلّق ببعض ألفاظ الجملة الّتي قبلها وإنَّما جمعهما العامل، وهو فعل القول، فكلتاهما مقول، ولذلك يحسن الوقف على قوله :﴿ إنّي معكم ﴾، ثم يُستأنف قوله :﴿ لئن أقمتم الصّلاة ﴾ إلى آخره.
ولام ﴿ لئن أقمتم ﴾ موطّئة للقسم، ولام ﴿ لأكَفِّرَنَّ ﴾ لام جواب القسم، ولعلّ هذا بعض ما تضمّنه الميثاق، كما أنّ قوله :﴿ لأكفرنّ عنكم سيّئاتكم ﴾ بعض ما شمله قوله :﴿ إنِّي معكم ﴾.