وقال القرطبى :
﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ أي صُلبة لا تَعِي خيراً ولا تفعله ؛ والقاسية والعاتية بمعنى واحد.
وقرأ الكِسائي وحمزة :"قَسِيَّة" بتشديد الياء من غير ألف ؛ وهي قراءة ابن مسعود والنَّخَعِيّ ويحيى بن وثّاب.
والعام القَسِيّ الشديد الذي لا مطر فيه.
وقيل : هو من الدّراهم القَسِيّات أي الفاسدة الرديئة ؛ فمعنى "قَسِيَّة" على هذا ليست بخالصة الإيمان، أي فيها نِفاق.
قال النحاس : وهذا قول حسن ؛ لأنه يقال : درهم قَسِيّ إذا كان مغشوشاً بنُحاس أو غيره.
يقال : درهم قَسِيّ ( مخفف السين مشدّد الياء ) مثال شقِيّ أي زائف ؛ ذكر ذلك أبو عبيد وأنشد :
لها صَوَاهِلُ في صُمِّ السِّلامِ كما...
صاح القَسِيَّاتُ في أيدِي الصيارِيفِ
يصف وقع المساحي في الحجارة.
وقال الأصمعيّ وأبو عُبيد : درهم قَسِيّ كأنه معرّب قاشيّ.
قال القُشَيْري : وهذا بعيد ؛ لأنه ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب، بل الدرهم القَسيّ من القسوة والشدّة أيضاً ؛ لأن ما قلت نَقْرته يقسو ويصلب.
وقرأ الأعمش :"قَسِيةَ" بتخفيف الياء على وزن فَعِلة نحو عَمِية وشَجِية ؛ من قَسِيَ يَقْسَى لا من قسا يقسو.
وقرأ الباقون على وزن فاعِلة ؛ وهو اختيار أبي عبيد ؛ وهما لغتان مثل العَلِيّة والعالية، والزّكِية والزاكية.
قال أبو جعفر النّحاس : أولى ما فيه أن تكون قَسِيّة بمعنى قاسية، إلا أن فَعِيلة أبلغ من فاعلة.
فالمعنى : جعلنا قلوبهم غليظة نابية عن الإيمان والتوفيق لطاعتي ؛ لأن القوم لم يوصفوا بشيء من الإيمان فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها خالطه كفر، كالدراهم القَسِيّة التي خالطها غِش.
قال الراجز :
قد قسوت وقست لِداتي... أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon