فصل


قال الفخر :
قال أصحابنا ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ أي جعلناها نائبة عن قبول الحق منصرفة عن الانقياد للدلائل.
وقالت المعتزلة ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ أي أخبرنا عنها بأنها صارت قاسية كما يقال : فلان جعل فلاناً فاسقاً وعدلاً.
ثم أنه تعالى ذكر بعض ما هو من نتائج تلك القسوة فقال ﴿يُحَرّفُونَ الكلم عَن مواضعه﴾ وهذا التحريف يحتمل التأويل الباطل، ويحتمل تغيير اللفظ، وقد بينا فيما تقدم أن الأول أولى لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير اللفظ. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٤٩﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ ﴾ يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق ولا تلين قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وقيل : المراد سلبناهم التوفيق واللطف الذي تنشرح به صدورهم حتى ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وهذا كما تقول لغيرك : أفسدت سيفك إذا ترك تعاهده حتى صدىء، وجعلت أظافيرك سلاحك إذا لم يقصها، وقال الجبائي المعنى : بينا عن حال قلوبهم وما هي عليه من القساوة وحكمنا بأنهم لا يؤمنون ولا تنفع فيهم موعظة، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر وما دعا إليه إلا الاعتزال. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿ يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾
قال القرطبى :
﴿ يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ أي يتأوّلونه على غير تأويله، ويلقون ذلك إلى العوامّ.
وقيل : معناه يبدّلون حروفه.
و"يُحَرِّفُونَ" في موضع نصب، أي جعلنا قلوبهم قاسية محرّفين.
وقرأ السُّلَمِيّ والنَّخَعِيّ "الكلام" بالألف ؛ وذلك أنهم غيّروا صِفة محمد ﷺ وآية الرجم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ يُحَرّفُونَ الكلم عَن مواضعه ﴾ استئناف لبيان مرتبة قساوة قلوبهم فإنه لا مرتبة أعظم مما ينشأ عنه الاجتراء على تحريف كلام رب العالمين والافتراء عليه عز وجل، والتعبير بالمضارع للحكاية واستحضار الصورة، وللدلالة على التجدد والاستمرار، وجوز أن يكون حالا من مفعول ﴿ لعناهم ﴾، أو من المضاف إليه في قلوبهم وضعف بما ضعف، وجعله حالا من القلوب، أو من ضميره في ﴿ قَاسِيَةً ﴾ كما قيل، لا يصح لعدم العائد منه إلى ذي الحال، وجعل القلوب بمعنى أصحابها مما لا يلتفت إليه أصحابها. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية