قوله تعالى ﴿وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَائِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ ﴾

فصل


قال الفخر :
في الخائنة وجهان :
الأول : أن الخائنة بمعنى المصدر، ونظيره كثير، كالكافية والعافية، وقال تعالى :﴿فَأُهْلِكُواْ بالطاغية﴾ [ الحاقة : ٥ ] أي بالطغيان.
وقال ﴿لَّيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ [ الواقعة : ٢ ] أي كذب.
وقال :﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاغية﴾ [ الغاشية : ١١ ] أي لغواً.
وتقول العرب : سمعت راغية الإبل.
وثاغية الشاء يعنون رغاءها وثغاءها.
وقال الزجاج : ويقال عافاه الله عافية، والثاني : أن يقال : الخائنة صفة، والمعنى : تطلع على فرقة خائنة أو نفس خائنة أو على فعلة ذات خيانة.
وقيل : أراد الخائن، والهاء للمبالغة كعلامة ونسابة.
قال صاحب "الكشاف" وقرىء على خيانة منهم.
ثم قال تعالى :﴿إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ﴾ وهم الذين آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه.
وقيل : يحتمل أن يكون هذا القليل من الذين بقوا على العهد ولم يخونوا فيه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٤٩﴾
وقال القرطبى :
﴿ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ ﴾ أي وأنت يا محمد لا تزال الآن تقف ﴿ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ ﴾ والخائنة الخيانة ؛ قال قتادة.
وهذا جائز في اللغة، ويكون مثل قولهم : قائلة بمعنى قيلولة.
وقيل : هو نعت لمحذوف والتقدير فرقة خائنة.
وقد تقع "خائنة" للواحد كما يقال : رجل نسّابة وعلاّمة ؛ فخائنة على هذا للمبالغة ؛ يقال : رجل خائنة إذا بالغت في وصفه بالخيانة.
قال الشاعر :
حدّثت نفسك بالوفاءِ ولم تكن...
لِلغَدْرِ خائِنةً مُغِلَّ الإصْبَعِ
قال ابن عباس :"عَلَى خَائِنَةٍ" أي معصية.
وقيل : كذب وفجور.
وكانت خيانتهم نقضهم العهد بينهم وبين رسول الله ﷺ، ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله ﷺ ؛ كيوم الأحزاب وغير ذلك من همهِم بقتله وسبه.
﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ﴾ لم يخونوا ؛ فهو استثناء متصل من الهاء والميم اللتين في "خَائِنَةٍ مِنهم". أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon