وقوله :" إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا " إنما قيد المسيح بقوله :" ابن مريم " للدلالة على كونه بشرا تاما واقعا تحت التأثير الربوبى كسائر البشر، ولذلك بعينه عطف عليه " امه " لكونها مسانخة له من دون ريب، وعطف عليه " من في الأرض جميعا " لكون الحكم في الجميع على حد سواء.
ومن هنا يظهر أن في هذا التقييد والعطف تلويحا إلى برهان الامكان، ومحصلة أن المسيح يماثل غيره من أفراد البشر كامه وسائر من في الأرض فيجوز عليه ما يجوز عليهم لأن حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، ويجوز على غيره أن يقع تحت حكم الهلاك فيجوز عليه ذلك ولا مانع هناك يمنع، ولو كان هو الله سبحانه لما جاز عليه ذلك.
وقوله :" ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما " في مقام التعليل للجملة السابقة والتصريح بقوله :" وما بينهما " مع أن القرآن كثيرا ما يعبر عن عالم الخلقة بالسماوات والأرض فقط إنما هو ليكون الكلام أقرب من التصريح، وأسلم من ورود التوهمات والشبهات فليس لمتوهم أن يتوهم أنه إنما ذكر السماوات والأرض ولم يذكر ما بينهما، ومورد الكلام مما بينهما.
وتقديم الخبر أعنى قوله :" ولله " للدلالة على الحصر، وبذلك يتم البيان، والمعنى : كيف يمكن أن يمنع مانع من إرادته تعالى إهلاك المسيح وغيره ووقوع ما أراده من ذلك، والملك والسلطنة المطلقة في السماوات والأرض وما بينهما لله تعالى لا ملك لأحد سواه ؟ فلا مانع من نفوذ حكمه ومضى أمره.


الصفحة التالية
Icon