ولما أخبر بنكدهم في الدنيا، أعقبه ما لهم في الأخرى فقال :﴿وسوف ينبئهم﴾ أي يخبرهم ﴿الله﴾ أي الملك الأعلى المحيط بكل شيء قدرة وعلماً إخباراً بعظيم الشأن بما فيه من عظم التقريع والتوبيخ في الآخرة بوعيد لا خلف فيه ؛ ولما كانت خيانتهم قد صارت لهم فيها ملكات بما لازموا منها حتى ضربوا بها وتدربوا عليها، حتى صارت لهم أحوالاً لأنفسهم وأخلاقاً لقلوبهم، سماها صنائع فقال :﴿بما كانوا يصنعون﴾ أي دربوا أنفسهم عليه حتى صار كالصنعة، فيجازيهم عليه بما يقيم عليهم من الحجة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤١٧ ـ ٤١٨﴾

فصل


قال الفخر :
المراد أن سبيل النصارى مثل سبيل اليهود في نقض المواثيق من عند الله، وإنما قال :﴿وَمِنَ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى﴾ ولم يقل : ومن النصارى، وذلك لأنهم إنما سموا أنفسهم بهذا الاسم ادعاء لنصرة الله تعالى، وهم الذين قالوا لعيسى ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ الله﴾ [ آل عمران : ٥٢ ] فكان هذا الاسم في الحقيقة اسم مدح، فبيّن الله تعالى أنهم يدعون هذه الصفة ولكنهم ليسوا موصوفين بها عند الله تعالى، وقوله ﴿أَخَذْنَا ميثاقهم﴾ أي مكتوب في الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد ﷺ، وتنكير ﴿الحظ﴾ في الآية يدل على أن المراد به حظ واحد، وهو الذي ذكرناه من الإيمان بمحمد ﷺ، وإنما خص هذا الواحد بالذكر مع أنهم تركوا الكثير مما أمرهم الله تعالى به لأن هذا هو المعظم والمهم، وقوله ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء﴾ أي ألصقنا العداوة والبغضاء بهم، يقال : أغرى/ فلان بفلان إذا ولع به كأنه ألصق به، ويقال لما التصق به الشيء : الغراء، وفي قوله ﴿بَيْنَهُمْ﴾ وجهان : أحدهما : بين اليهود والنصارى.


الصفحة التالية
Icon