وتقدّم مفصّلاً عند تفسير قوله تعالى :﴿ فآمِنوا بالله ورسُله ولا تقولوا ثلاثة ﴾ في سورة [ النّساء : ١٧١ ].
وهذا قول اليعاقبة من النصارى، وهم أتباع يعقوب البرذعاني، وكان راهباً بالقسطنطينية، وقد حدثت مقالته هذه بعد مقالة المَلْكَانية، ويقال لِليعاقبة : أصحاب الطبيعة الواحدة، وعليها درج نصارى الحبشة كلّهم.
ولا شكّ أنّ نصارى نجران كانوا على هذه الطريقة.
ولقرب أصحابها الحبشة من بلاد العرب تصدّى القرآن لبيان ردّها هنا وفي الآية الآتية في هذه السورة.
وقد بيّنا حقيقة معتقد النصارى في اتّحاد اللاهوت بالناسوت وفي اجتماع الأقانيم عند قوله تعالى :﴿ وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ﴾ في سورة [ النساء : ١٧١ ].
وبيّن الله لرسوله الحجّة عليهم بقوله : قل فمن يملك من الله شيئاً } الآية، فالفاء عاطفة للاستفهام الإنكاري على قولهم : إنّ الله هو المسيح، للدلالة على أنّ الإنكار ترتّب على هذا القول الشنيع، فهي للتعقيب الذِكري، وهذا استعمال كثير في كلامهم، فلا حاجة إلى ما قيل : إنّ الفاء عاطفة على محذوف دلّ عليه السياق، أي ليس الأمر كما زعمتم، ولاَ أنّها جواب شرط مقدّر، أي إن كان ما تقولون فمن يملك من الله شيئاً، إلخ.
ومعنى يملك شيئاً هنا يَقْدِر على شيء، فالمركّب مستعمل في لازم معناه على طريقة الكناية، وهذا اللازم متعدّد وهو المِلْك، فاستطاعةُ التحويل، وهو استعمال كثير ومنه قوله تعالى :﴿ قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أرادَ بكم ضَرّا ﴾ الآية في سورة [ الفتح : ١١ ].
وفي الحديث قال رسول الله لعُيينة بن حِصْن أفأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة لأنّ الذي يملك يتصرّف في مملوكه كيف شاء.
فالتنكير في قوله شيئاً } للتقليل والتحقير.


الصفحة التالية
Icon