ولمّا كان الاستفهام هنا بمعنى النفي كان نفي الشيء القليل مقتضياً نفي الكثير بطريق الأولى، فالمعنى : فمن يقدر على شيء من الله، أي مِنْ فِعْله وتصرفِّه أنْ يحوّله عنه، ونظيره
﴿ وما أغني عنكم من الله من شيء ﴾ [ يوسف : ٦٧ ].
وسيأتي لمعنى "يملك" استعمال آخر عند قوله تعالى :﴿ قل أتعبدون من دون الله ما لا يَملك لكم ضرّاً ولا نفعاً ﴾ [ المائدة : ٧٦ ] في هذه السورة، وسيأتي قريب من هذا الاستعمال عند قوله تعالى :﴿ ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً في هذه السورة ﴾ [ المائدة : ٤١ ].
وحرف الشرْط من قوله :﴿ إن أراد ﴾ مستعمل في مجرّد التّعليق من غير دلالة على الاستقبال، لأنّ إهلاك أمّ المسيح قد وقع بلا خلاف، ولأنّ إهلاك المسيح، أي موته واقع عند المجادَلين بهذا الكلام، فينبغي إرخاءُ العنان لهم في ذلك لإقامة الحجّة، وهو أيضاً واقع في قول عند جمع من علماء الإسلام الّذين قالوا : إنّ الله أماته ورفعه دون أن يُمكَّن اليهودُ منه، كما تقدّم عند قوله تعالى :﴿ وما قتلوه وما صلبوه ﴾ [ النساء : ١٥٧ ]، وقوله :﴿ إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ﴾ [ آل عمران : ٥٥ ].
وعليه فليس في تعليق هذا الشرط إشعار بالاستقبال.
والمضارع المقترن بأن وهو ﴿ أن يهلك ﴾ مستعمل في مجرّد المصدرية.
والمرادُ بـ ﴿ مَن في الأرض ﴾ حينئذٍ من كان في زمن المسيح وأمِّه من أهل الأرض فقد هلكوا كلّهم بالضرورة.
والتّقدير : مَن يملَك أن يصدّ الله إذْ أراد إهلاك المسيح وأمّه ومن في الأرض يومئذٍ.
ولك أن تلتزم كون الشرط للاستقبال باعتبار جَعْل ﴿ من في الأرض جميعاً ﴾ بمعنى نوع الإنسان، فتعليق الشرط باعتبار مجموع مفاعيل ﴿ يُهلك ﴾ على طريقة التغليب ؛ فإنّ بعضها وقع هلكه وهو أمّ المسيح، وبعضها لم يقع وسيقع وهو إهلاك من في الأرض جميعاً، أي إهلاك جميع النّوع، لأنّ ذلك أمر غير واقع ولكنّه مُمكن الوقوع.


الصفحة التالية
Icon