ويقال : إن أصل العداوة التي كانت بينهم ألقاها إنسان يقال له "بولس"، كان بينه وبين النصارى قتال، وكان يهودياً فقتل منهم خلقاً كثيراً، فأراد أن يحتال بحيلة يلقي بينهم القتال ليقتل بعضهم بعضاً، فجاء إلى النصارى، وجعل نفسه، أعور وقال لهم : أتعرفوني؟ فقالوا : أنت الذي قتلت منا وفعلت ما فعلت، فقال : قد فعلت ذلك كله وأنا تائب، لأني رأيت عيسى ابن مريم في المنام نزل من السماء، فلطم وجهي لطمة وفقأ عيني.
فقال : أي شيء تريد من قومي؟ فتبت على يده، وإنما جئتكم لأكون بين ظهرانيكم، وأعلمكم شرائع دينكم، كما علمني عيسى في المنام فاتخذوا له غرفة، فصعد تلك الغرفة وفتح كوة إلى الناس في الحائط، وكان يتعبد في الغرفة، وربما كانوا يجتمعون إليه ويسألونه ويجيبهم من تلك الكوة، وربما يأمرهم حتى يجتمعوا ويناديهم من تلك الكوة، ويقول لهم بقول كان في الظاهر منكراً وينكرون عليه، فكان يفسر ذلك القول بتفسير يعجبهم ذلك، فانقادوا كلهم له وكانوا يقبلون قوله بما يأمرهم به.
فقال لهم يوماً من الأيام : اجتمعوا قد حضرني علم، فاجتمعوا، فقال لهم : أليس قد خلق الله تعالى هذه الأشياء في الدنيا كلها لمنفعة بني آدم؟ قالوا : نعم، فقال لم تحرمون على أنفسكم هذه الأشياء؟ يعني الخمر والخنزير وقد خلق لكم ما في الأرض جميعاً، فأخذوا بقوله واستحلوا الخمر والخنزير، فلما مضى على ذلك أيام دعاهم وقال : حضرني علم.
فاجتمعوا وقال لهم : من أي ناحية تطلع الشمس؟ فقالوا : من قبل المشرق.
فقال : ومن أي ناحية يطلع القمر والنجوم؟ فقالوا : من قبل المشرق.
فقال : ومن يرسلهم من قبل المشرق؟ قالوا : الله تعالى : فقال : فاعلموا أنه من قبل المشرق فإن صليتم له فصلوا إليه، فحول صلاتهم إلى المشرق، فلما مضى على ذلك أيام دعا طائفةً منهم وأمرهم بأن يدخلوا عليه في الغرفة.