وقوله تعالى :﴿ وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ أي ما بين طرفي العالم الجسماني فيتناول ما في السموات من الملائكة وغيرها، وما في أعماق الأرض والبحار من المخلوقات، قيل : تنصيص على كون الكل تحت قهره تعالى وملكوته إثر الإشارة إلى كون البعض كذلك أي له تعالى وحده ملك جميع الموجودات والتصرف المطلق فيها إيجاداً وإعداماً، وإحياءاً وإماتة لا لأحد سواه استقلالاً ولا اشتراكاً، فهو تحقيق لاختصاص الألوهية به تعالى إثر بيان انتفائها عما سواه، وقيل : دليل آخر على نفي ألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام لأنه لو كان إلهاً كان له ملك السموات والأرض وما بينهما، وقيل : دليل على نفي كونه عليه الصلاة والسلام ابناً ببيان أنه مملوك لدخوله تحت العموم، ومن المعلوم أن المملوكية تنافي البنوة.
وقوله تعالى :﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء ﴾ جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعتراهم من الشبه في أمر المسيح عليه السلام لولادته من غير أب وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، و﴿ مَا ﴾ نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية أي يخلق أي خلق يشاؤه، فتارة يخلق من غير أصل كخلق السموات والأرض مثلاً، وأخرى من أصل كخلق بعض ما بينهما وذلك متنوع أيضاً، فطوراً ينشىء من أصل ليس من جنسه كخلق آدم، وكثير من الحيوانات وتارة من أصل يجانسه إما من ذكر وحده كخلق حواء أو من أنثى وحدها كخلق عيسى عليه الصلاة والسلام أو منهما كخلق سائر الناس، ويخلق بلا توسط شيء من المخلوقات ككثير من المخلوقات وقد يخلق بتوسط مخلوق آخر كخلق الطير على يد عيسى عليه السلام معجزة له.
وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فينبغي أن ينسب كل ذلك إليه تعالى لا من أجرى على يده قاله غير واحد.


الصفحة التالية
Icon