﴿ وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾ جاء الحق هنا بالسماء كنوع علوي والأرض كنوع سفلي، وقوله :﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾ يرد على الشبهة بإيجاز دقيق :﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾ ؛ لأن الفتنة جاءت من ناحية أن عيسى عليه السلام مُيّز في طريقة خلقه بشيء لم يكن في عامة الناس ؛ فأوضح الحق : لا تظنوا أن الخلق الذي أخلقه يشترط عليّ أن تكون هناك ذكورة وأنوثة ولقاح، هذا في العرف العام الذي يفترض وجود ذكورة وأنوثة، وإلا لكان يجب أن تكون الفتنة قبل عيسى في آدم ؛ لأنه خلق من غير أب ولا أم. إذن فالذي يريد أن يفتتن بأنه من أم دون أب، كان يجب أن يفتتن في آدم لأنه لا أب ولا أم. ويوضح لهم : الله يخلق ما يشاء فلا يتحتم أو يلزم أن يكون من زوجين أو من ذكر فقط أو من أنثى فقط.
إن ربنا سبحانه وتعالى له طلاقة القدرة في أن يخلق ما يشاء، وقد أراد خلقه على القسمة العقلية المنطقية الأربعة : إما أن يكون من أب وأم مثلنا جميعاً، وإما أن يكون بعدمهما مثل آدم، وإما أن يكون بالذكر دون الأنثى كحواء، وإما أن يكون بالأنثى دون الذكر كعيسى عليه السلام، فأدار الله الخلق على القواعد المنطقية الأربعة كي لا تفهم أن ربنا يريد مواصفات خاصة كي يخلق بل هو يخلق ما يشاء. والدليل على ذلك أن الزوجين يكونان موجودين مع بعضهما ومع ذلك لا يُنْجَبُ منهما، فهل هناك اكتمال أكثر من هذا؟! ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً ﴾ [ الشورى : ٤٩-٥٠ ]