قوله تعالى :﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾ يريد إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحباؤه فإن الأب لا يعذب ولده، والحبيب لا يعذب حبيبه، وأنتم مقرون أنه معذبكم ؟ وقيل : فلم يعذبكم أي : لِمَ عذّب من قبلكم بذنوبهم فمسخهم قردة وخنازير ؟ ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾ كسائر بني آدم مجزيون بالإساءة والإحسان، ﴿ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ فضلا ﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ عدلا ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾. أ هـ ﴿تفسير البغوى حـ ٣ صـ ٣٣ ـ ٣٤﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ قال ابن عباس : خوّف رسول الله ﷺ قوماً من اليهود العقاب فقالوا : لا نخاف فإنا أبناء الله وأحِبّاؤه ؛ فنزلت الآية.
قال ابن إسحاق : أتى رسول الله ﷺ نعمان بن أضا وبَحْرِيّ بن عَمرو وشَأسُ بن عَدِيّ فكلموه وكلمهم، ودعاهم إلى الله عز وجل وحذّرهم نقمته فقالوا : ما تُخوفنا يا محمد؟ ؛ نحن أبناء الله وأحِباؤه، كقول النصارى ؛ فأنزل الله عز وجل فيهم ﴿ وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ﴾ إلى آخر الآية قال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عُبَادة وعقبة بن وهب : يا معشر يهود اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مَبعثه، وتصفونه لنا بصفته ؛ فقال رافع بن حُرَيْملة ووهب بن يهوذا : ما قلنا هذا لكم، ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً من بعده ؛ فأنزل الله عز وجل :"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ" إلى قوله "وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".


الصفحة التالية
Icon