الله تعالى بعث فيها ألف نبي من بني إسرائيل سوى من بعث من غيرهم.
﴿ أَن تَقُولُواْ ﴾ تعليل لمجىء الرسول بالبيان أي كراهة أن تقولوا كما قدره البصريون أو لئلا تقولوا كما يقدر الكوفيون معتذرين من تفريطكم في أحكام الدين يوم القيامة ﴿ مَا جَاءَنَا من بَشير وَلاَ نذير ﴾ وقد انطمست آثار الشريعة السابقة وانقطعت أخبارها، وزيادة ﴿ من ﴾ في الفاعل للمبالغة في نفي المجىء، وتنكير بشير ونذير على ما قال شيخ الإسلام : للتقليل ؛ وتعقيب ﴿ قد جاءكم ﴾ الخ بهذا يقتضي أن المقدر، أو المنوي فيما سبق هو الشرائع والأحكام لا كيفما كانت بل مشفوعة بذكر الوعد والوعيد. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ على فَترة من الرسل ﴾ حال من ضمير ﴿ يبيّن لكم ﴾، فهو ظرف مستقرّ، ويجوز أن يكون ظرفاً لغواً متعلّقاً بـ ﴿ جاءكم ﴾.
ويجوز تعلّقه بفعل ﴿ يبيّن ﴾ لأنّ البيان انقطع في مدّة الفترة.
و( على ) للاستعلاء المجازي بمعنى ( بَعْد ) لأنّ المستعليَ يستقرّ بعد استقرار ما يستعلي هو فوقه، فشبّه استقراره بعده باستعلائه عليه، فاستعير له الحرف الدال على الاستعلاء.
والفترة : انقطاع عمل مّا.
وحرف ( مِن ) في قوله :﴿ مِن الرسل ﴾ للابتداء، أي فترة من الزمن ابتداؤها مدّة وجود الرسل، أي أيام إرسال الرسل.
والمجيء مستعار لأمر الرسول بتبليغ الدّين، فكما سمّي الرسول رسولاً سمّى تبليغه مجيئاً تشبيهاً بمجيء المُرسَل من أحَدٍ إلى آخر.
والمراد بالرسل رُسل أهل الكتاب المتعاقبين من عهد موسى إلى المسيح، أو أريد المسيح خاصّة.
والفترة بين البعثة وبين رفع المسيح، كانت نحو خمسمائة وثمانين سنة. (١)
وأمّا غيرُ أهل الكتاب فقد جاءتهم رسل مثل خالد بن سنان وحنظلة بن صفوان.
وقال الضحاك : أربعمائة وبضع وثلاثون سنة. وذكر ابن عساكر في ترجمة عيسى عليه السلام، عن الشعبي، أنه قال : ومن رفع المسيح إلى هجرة النبي ﷺ تسعمائة وثلاث وثلاثون سنة. والمشهور : هو القول الأول، وهو أنها ستمائة سنة. ومنهم من يقول : ستمائة وعشرون سنة. ولا منافاة بينهما ؛ فإن القائل الأول أراد : ستمائة سنة شمسية، والآخر أراد قمرية، وبين كل مائة سنة شمسية وبين القمرية نحو من ثلاث سنين. ولهذا قال تعالى في قصة أهل الكهف :"ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا" أي : قمرية، لتكميل ثلاثمائة الشمسية، التي كنت معلومة لأهل الكتاب. وكانت الفترة بين عيسى ابن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل وبين محمد خاتم النبيين على الإطلاق كما ثبت في صحيح البخاري". أي إن زمن الفترة وهي المدة الزمنية التي لم يبعث فيها رسول، هي ما بين عيسى وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم.