فأول نقض نقض به سبحانه وتعالى هذه الدعوى بيان أنه يعذبهم فقال :﴿قل فلم يعذبكم﴾ أي إن كنتم جامعين بين كونكم أبناء وأحباء بين عطف النبوة وحنو المحبة ﴿بذنوبكم﴾ وعذابهم مذكور في نص توراتهم في غير موطن ومشهور في تواريخهم بجعلهم قردة وخنازير وغير ذلك، أي فإن كان المراد بالبنوة الحقيقة فابن الإله لا يكون له ذنب فضلاً عن أن يعذب به، لأن الابن لا يكون إلا من جنس الأب - تعالى الله عن النوعية والجنسية والصاحبة والولد علواً كبيراً! وإن كان المراد المجاز، أي بكونه يكرمكم إكرام الولد والحبيب، كان ذلك مانعاً من التعذيب.
ولما كان معنى ذلك أن يعذذبكم لأنكم لستم أبناء ولا أحباء، عطف عليه نقضاً آخر أوضح من الأول فقال :﴿بل أنتم بشر ممن خلق﴾ وذلك أمر مشاهد، والمشاهدات من أوضح الدلائل، فأنتم مساوون لغيركم في البشرية والحدوث، لا مزية لأحد منكم على غيره في الخلق والبشرية، وهما يمنعان البنوة، فإن القديم لا يلد بشراً، والأب لا يخلق ابنه، فامتنع بهذين الوصفين البنوة، وامتنع بتعذيبهم أن يكونوا أحباء الله ؛ فبطل الوصفان اللذان ادعوهما.
ولما كان التقدير : يفعل بكم ما يفعل بسائر خلقه، وصل به قوله جواباً لمن يقول : وما هو فاعل بمن خلق؟ :﴿يغفر لمن يشاء﴾ أي من خلقه منكم ومن غيركم فضلاً منه تعالى ﴿ويعذب من يشاء﴾ عدلاً كما تشاهدونه يكرم ناساً منكم في هذه الدار ويهين آخرين.